عبد المطلب براهمي يكتب: أزمة هوية أم هوية الأزمة

17 أبريل 2020

 

  حين الانطلاق من المشهد الثقافي العربي بكل تمفصلاته السياسية والاجتماعية والمعرفية نلمح تنميط لافق التقبل والتعديل، والكثير من الهويات المنتشرة التى تقومها فكرنيات متعددة، هذه الفكرانيات أصبحت بالتبدل الزمكاني تمثل مركزيات للعديد من التجمعات الانسية، ومنه أصبح الصراع ملمحا من ملامح السياقات المختلفة، ومع محاولة مد الافق يحدث التصدع الهوياتي فتقوض المركزيات بعضها  وتصبح الساحة دامية والهوية أطياف تسيرهها نزعات وأهواء سلطوية تملك الخطاب.

وتبعا لذلك تصبح الهوية ممزقة تتراوح بين أصل ودخيل محاولة هذه الاخيرة إقامة جسر للتكيف مع هذا الوضع، ومن هذا التمزق والشتات نقع في هوية الازمة التى تتشكل من أزمة الهوية فهوية الأزمة نقصد بها توصيف أزمة الهوية التى نسعها الى فك شفراتها،  هل هي أزمة عقل ومنطق وتقبل ونقد أم هي أزمة طبيعة ذاتية أم أزمة فاعلية أم أزمة وجودية، كل هذه الاسئلة يحب الإجابة عنها لتحديد هوية أزمتنا هل هي هوية  لنا أم من غيرنا، والملاحظ من تتبع مختلف السياقات أننا نعيش الأزمتين أزمة هوية التى أفاضت هوية للأزمة ومنه وقع الفرد بين البينين، يعيش خطاب يزعم الحلول ويعيش خطابا أخر مختلف

   ولنتأمل جميعنا ملامح الوجه الظاهر للمجتمع بلا تزمت ومغالاة، فنلحظ وندرك أن الهوية الاجتماعية والتصورات البنائية للثقافة كسلوك إنساني لا تكاد تخلو من الفكرنيات المركبة التى تسعى من أجل تشييد منظومة تفكيرية وموقفية من المواضيع الكبرى للانسان وما يسعى من أجله منذ خلقه الى يومنا هذا، فنقف عند مفاهيم الفكرانية الجغرافية البعد ، الاسطورية المبدأ في معظمها، فنجد هذه الاخيرة مركب من الفهومات المتداولة تحت أنظم سلطوية وأنظم إجتماعية وليدة أزمات معينة، تسهم هذه الازمات في حراك الوعي الجمعي لتبني فكر معين يؤمن الاستقرار والعيش بأمن، وهو ما نجده اليوم في مجتمعاتنا التى تسير وفق أدلوجة مركبة تحت شعار الحفاظ على الاستقرار الكينوني والواقعي، وذلك من خلال تكثيف خطابات  الترهيب المفاهيمي لبعض الموضوعات الوجودية، وتبعا لذلك يجد الفرد نفسه في فضاء تشكيكي يجعله لصيق بنية ثقافية معينة بكل علاتاها، هذه الحالة هي ما أدت الى إعاقة التصحيح المبدأي وأحلت مبدأ العيش تحت الظل الكائن دون تجاوزه،ومنه ينمو الخوف الإدراكي أي الخوف من القراءة والمراجعة النقدية للموجود.

ونذكر في هذا السياق اشكالية المصطلح في العلوم الانسانية الذي بشكل احدى لبنات نجاعة الخطاب في تشكيل الوعي وقيام العملية النقدية، فالتسليم بمقولة المصطلحات مفاتيح العلوم أصبح صعبا في ظل المستحدثات الكثيرة التى مست التنظير للدرس النقدي والادبي والإجتماعي والنفسي وغيره في التربة العربية، فأصبح محاولات التنظير معقدة الاصطلاح، هذه الظاهرة لها أسبابها، لعل أهمها السعي وراء تأسيس منظومة اصطلاحية بهوية مستمدة من السياق والبنية الثقافية العربية، مما دفع المنظرين الى التنقيب في التراث على جذور بعض المصطلحات الحديثة ومحاولة التقويل النقدي، وأيضا من الاسباب الخلل السياقي الذي تتولد فيه النظريات والمصطلحات فلو نعود الى الغرب ونظرياتهم نجد مصطلحات كثيرة ولكن الاتفاق عندهم في المحمول الدلالي والالية الإجرائية على إختلاف المتون ، آما في شآننا العربي فإن عمليات نقل المصطلح ومحاولة شرعنته وفق مناخ عربي فيتخللها الكثير من العطب وأحيانا تفتقد مسوغات منطقية لذلك، فنجد نقلا للمصطلح الواحد بتسميات عديدة ودلائل كثيرة وتعدل وفق متون مختلفة، وهذه العملية أدت الى ضياع هوية المصطلح الاصلية ومحموله الدلالي الذي يختلف بإختلاف الوقائع اللسانية، وكذلك التجاذب العربي له ومحاولة تمطيط المفهوم واسقاطه دون مبرر على الخطابات الانسانية، ولا ننسى أيضا المحاولات الكثيرة لردم الفوارق الحضارية والثقافية بين الطرفين العربي والغربي وهذا هدف يتوهم المنظر العربي حصوله بالتكديس الغير مشروع للمصطلحات والخلط الاجرائي لها وكذلك سلبها روحها الابستمية، أي الاحساس الجمعوي بعقدة النقص تجاه المنجز الغربي، ولا يفوتنا الاشارة الى مسألة الريادة عند النقاد العرب، فهذه القضية تثير إشكالا وتعد عائق امام تطور العلوم الانسانية فالناقد والمنظر  العربي يسعى في خطابه النقدي الى الظهور والى الشهرة وذلك من خلال التعقيد المصطلحي والتعقيد اللغوي وكذلك استعارة المصطلحات من العلوم المجاورة دون سابق وعي بكيفية توظيفه  وهذا ما يؤدي الى تذبذب لدى المتلقى في التقبل يجعل منه متتبعا لمسار الناقد، والانبهار بمعطياته اللسانية دون العودة الى الخلفيات الفاعلة في تمخض المصطلح بما يحمله من دلائل، فأصبحت هذه المسألة مذهبية المبدأ تحاول شرعنه توجه الناقد وميولاته الذاتية، من خلال تكييف المعطى حسب توجهات عديدة ايديولوجية وعقدية وغيرها.

        عبد المطلب براهمي – الجزائر

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :