تواب احيدوش تكتب: ليلة… من لياليها

17 أبريل 2020

 

صرخة مزقت ثوب الليل الأسود..

-من ؟ ما الأمر؟ – تساءل الزوج مذعورا-

إنها زوجته. راودها الحلم المزعج من جديد. ناولها كوب ماء، أخذت رشفة منه، و عادت تتوسل وسادتها، لعلها تمحو آثار الكابوس المرعب لتهنأ بليلة هادئة .

*************

إنها الذكريات الماضية. حين كانت “حياة” في الرابعة من عمرها، غادرت قريتها رفقة أمها بعد فقدانهما ظل الوالد -رحمة الله عليه-. توجهتا إلى المدينة حيث الخال بانتظار هما ، بعد أن صارتا وحيدتين،  لا سند لهما و لا معيل .

بعد أشهر من استقرارهما بالمسكن الجديد، تقدم أحد معارف الخال طالبا الزواج بأخته الأرملة، فقَبل باعتباره ولي أمرها ، و دون مشاورتها، أُبرم العقد و قُضي الأمر.

خاضعةً، مكسورةً، غادرت الأم بيت أخيها، تاركةً وراءها قَلبا طَعَنهُ الألم، يتحرّق شوقا، يوما بعد يوم، للحضن الدافئ… للحضن المسلوب.

*************

 

 

كانت “حياة”، رغم صغر سنها، مستقلة النزعة، متقلبة الطبع، ثائرة على كل مظاهر المَيْز. حركاتها الكثيرة و علو صوتها كانا يزعجان خالها، و يعرضانها دوما للضرب المبرح، عقابا على رفضها الانصياع للأوامر.

 في يوم من الأيام، قررت ،و هي ابنة السادسة ، أن ترحل بحثا عن أمها، أملا في النجاح بإقناع “بَديل الأب” بالرأفة لحالها، فقد تعب جسدها الهزيل من ضربات السوط المتكررة.

*************

حان وقت الغذاء، الجميع حول المائدة إلا “حياة”، أين الفتاة !  الكل يبحث! ضاعت المشاكِسة! لكنها أمانة! يجب إخبار الأم. سارع الخال للحي الذي تقطن فيه أخته و العرق يتصبب من جبينه، طَرق الباب… فُتح الباب… إنها “حياة”! و كانت الصدمة.

علم الخال من زوج أخته أن الفتاة تريد العيش معهما، و عَبّر بصوت صارم، بأنه ليس على استعداد لاستقبالها، فشغبها يزعجه، و ذَكّره برغبته بزوجة فقط، لا بزوجة و ابنة من رجل آخر…و خَيّره بين أخذ الفتاة أو اصطحابها رفقة أمها ،فتطليقها أهون عليه من إعالة الاثنتين. لم يتحمل الخال الكلام، و لن يستسيغ طلاق أخته، مما جعله يأخذ “حياة” غصبا و هو يستشيط غضبا.

*************

لحظة وصولهما إلى المنزل: ألم و صراخ و وعيد يدوي كالرعد، بكاء        و استعطاف في مواجهة أذن صماء، خطوات متسارعة نحو البئر الموجودة بالفناء… أمسك الخال برِجل الصغيرة، لفّ ساقها بالحبل…  صدمةٌ طَبعت تعابير زوجته و أبناءه ، توسلاتهم تعالت في الأفق … لا جدوى، سبق السيف العذل.

*************

أمضت “حياة” الليلة بالبئر، رأسها نحو الأسفل، تصرخ خوفا من ظلام حمل من الأشباح و الأطياف ما جعلها تفقد الوعي . حل الصباح، أحدهم يسحب الحبل الذي حُفرت آثاره على ساقها النحيلة، حملت زوجة الخال الفتاة جثة هامدة. لا زال الدم يجري في عروقها، لكن الموت طال طفولة بريئة، امتصّها ظلام البئر، مخلفا صراخا يدوي كلما أغلقت  “حياة “عينيها.

 

تواب احيدوش – مدينة مراكش 

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :