عبد الصمد التاج يكتب: سراب المعرفة

15 أبريل 2020
 
قد يتساءل المرء حين لمحه لهذا التركيب، هل من الممكن أن ترتبط المعرفة بالسراب؟
فيقال حينذاك إن السراب يستجلب الناس حتى إذا أتوه عازمين على ما ظنوه لم يجدوه شيئا. فالظمآن حينما يبلغ به العطش يقصد السراب ظانا أنه ماء فهو على نية مايبتغي، وما يريد، فإذا أتاه فوجىء بغير مقصوده.
وهكذا هي جوانب المعرفة فمنها ما هو سراب، يراه الإنسان فيظنه نافعا، ويحسب أنه بلغ حاجته، لكن سرعان ما يفاجأ بهذا السراب يتبدد من غير نتيجة تذكر. وهذه الرؤية التي ترى هي على ضربين:
الأول ما يراه المغتر بنفسه في نفسه؛ فيرى فيها ذاك السراب الذي يظنه مفيدا، ويلوح به لجذب كل متعطش. فهو على ذلك يتمسك بهذه الرؤية متعصبا إلى الذود عنها، وإن أخبر بعدم صحتها صد عن الإخبار، وعزف عن الإنكار، وزاد في سلوك مسلك الإشتهار. ورفض النصيحة، وتلك صفة مذمومة قبيحة.
والثاني ما يراه الإنسان في غيره، أو في مصدر أخذه فيلوح له ذاك السراب على مرآى منه، ثم يقصده عازما على اغتراف غرفة معرفة وعلم يروي بها ظمأ فكره وعقله، لكن سرعان ما يفاجأ القاصد بخيبة مقصوده، وهوان مصدره.
وهذا أمر وللأسف أصبحنا نرى كثيرا من الناس يتوافدون عليه أفواجا. واتخذوا هذا المذهب معولا يتكئون عليه، فأضعف همتهم. وما ذاك إلا لسهولة مناله مع هوان بنائه، فلما كان كذلك كان الباني عليه ضعيف البنيان هشه، لا يفيد ولا يستفيد صاحبه. فهو على ذلك يدعي من العلم ما لا علم له به، أنه متفنن في ما لا يتقنه.
وإن مما لا ريب فيه ولا شك أن هذا داء عضال، استصعب استئصاله والقضاء عليه في ظل تفشيه بكل أرض خصبة لإنبات العي، ووجد مناخا مناسبا، وجوا ملائما لما كثر الغرف من المصادر المتاحة الواهية، التي أنتجت لنا حاطبي ليل يحملون ولا يعلمون ما الحمل، وينقلون ولا يدرون ما النقل، ويخبطون خبط عشواء، فعكروا صفو أفهام الضعاف، فضلوا وأضلوا.
 
عبد الصمد التاج – مدينة أكادير

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :