خولة الزلزولي ومحمد حتيمي يكتبان: الكورونا بين المقاربة الاجتماعية الاقتصادية و رهانات المستقبل

15 أبريل 2020
 
يقول تشي جيفارا: ماذا يفيد المجتمع إذا ربح الأموال وخسر الانسان ؟ انطلاقا من هذا القول سينطلق المقال للغوص في المقاربة الاجتماعية والاقتصادية التي ترتبت عن الكورونا وأهم ما يمكن أن يتولد عنها بعد انتهاء هذه الجائحة الوبائية.
إن اول ما يمكن الوقوف عليه وملاحظته خلال هذه الازمة الوبائية هو الرهاب أو القلق الاجتماعي social phobia؛ الذي أصاب مجموعة من الافراد داخل المجتمعات الدولية. ظهر مصطلح الرهاب الاجتماعي مع كلارك وويلز، وينتمي إلى مضمار الاضطرابات النفسية؛ التي يمكن أن تصيب الانسان سواء رجل، أم امراة، أم طفل…؛ وهو حالة مرضية، ونوع من القلق الشديد يؤدي إلى الإحباط، ويجعل الإنسان يشعر أنه بدون أهداف، ويخاف من شيء غير مخيف في الاصل؛ يحس الإنسان المصاب بهذا المرض بالخوف والتوتر الزائد اثناء مواجهة بعض المواقف، و يظن أن الجميع يراقب تصرفاته.
يؤكد تزفيتان تودوروف أن الإنسان يولد مرتين: الأولى في الطبيعة والثانية في المجتمع. وهذا ماتسبب فيه الحجر الصحي من خلال تعزيز العلاقات الاسرية، فمعظم الأسر اصبحت تقضي ساعات اليوم مع بعضها البعض؛ وهذه الظاهرة كانت مفقودة أو منعدمة قبل الكورونا بحكم خروج الأم والأب للعمل والأبناء للدراسة.
وبعدما صار العالم قرية كونية يدعو إلى الشمولية؛ إلا أنه الان في ظل كورونا أصبح أرخبيلا من الدواوير المنعزلة. إن هذه الجائحة قطعت الأرحام وقامت بالحد من التجمعات والروابط الاجتماعية مخافة تفشي الفيروس، واغلقت المؤسسات التعليمة ووقفت متابعة العملية التعليمية التعلمية الحضورية، وأغلقت النوادي الثقافية والرياضية وغيرها من الأنشطة التي تعتمد على الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمعات.
هذا يعني أن الكورونا جعلت العالم يعيش الرهاب والخوف من نهاية السلالة البشرية والقضاء على الشعوب، مما أدى بهم إلى العزلة واعلان حالة الطواريء.
وهذا ما يذهب بنا إلى التفكير في ما بعد الكورونا والترسبات التي ستتولد عنها.
على مستوى الواقع الاجتماعي مثلا ستتدهور الروابط الاجتماعية بين المجتمع مع ذاته ومع الدول المجاورة وخير مثال على ذلك أن دول الاتحاد الاوروبي التي لم تساعد بعضها البعض في ظل هذه الجائحة الوبائية، واظهرت ضعف الاتحاد الاوروبي في مبدأ التضامن؛ الذي يشكل أساس الاتحاد الأوروبي (تصريحات رئيس دولة صربيا، وكذلك تصريح رئيس دولة ايطاليا و النمسا خير دليل على ذلك )؛ وهذا يعود بنا إلى ما اكده عالم الاجتماع علي الوردي أن: المجتمع المتطور لا يمكن أن يبقى على تماسكه وانسجامه ابدا لا سيما اذا دخلت فيه عوامل حضارية جديدة.
إن العالم عامة والمغرب خاصة؛ سيحاول تدبر ازماته الاقتصادية، والاجتماعية والصحية حتى التعليمية، حيث سيظهر نوعا اخرا من تدبير الجوائح وتغيير أنماط الاشتغال داخل المجتمعات.
يشير water bloom في كتابه دراسة الأوبئة إلى أن: الأوبئة دائما ما تعمل على الرفع من التغير الاجتماعي.
من التدابير التي تم العمل عليها في الميدان الإداري الاشتغال بالنظام الرقمي؛ الذي كان يعرف سيرورة بطيئة، لكن سيصبح ضرورة حتمية لا يمكن الاستغناء عنها، من خلال استخدام التطبيقات التكنولوجية، لتصبح منهجا وأسلوب عمل لجمع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لتقديم الخدمات أسهل وأسرع.
أما في ما يخص المجال الصحي فقد عرف إعادة تأهيل الأنظمة الصحية ضمن النمودج التنموي الجديد، الذي يعتمد على الانتاج الوطني، والاعتماد على الرأس المال البشري الوطني، لانتاح الأدوية وكذا الأجهزة الطبية لمواجهة الفيروسات، إذا فالفرد لم يعد في الحاجة إلى اخد العلاجات من الخارج، بل سيصبح النظام العلاجي يوفر كافة الظروف الصحية تحت ما يسمى بتحسين الوضعية العلاجية الوطنية.
على المستوى التعليمي تم إعادة الاعتبار للأسرة وللمدرسة على حد السواء، فالاسرة استرجعت الدور المنوط لها، والذي تخلت عنه وتركته للمدرسة وحدها؛ صحيح أن المدرسة لها دخل قوي وتأثير بليغ على شخصية التلميذ ، لكن ذلك مشروط بأن تكون الأسرة مساعدة للمدرس في بنائه، الذي ينشده وهدفه الذي يرمي إليه.
إن الحقل الاقتصادي بماهو اقتصادي في تجلياته، كان مجالا يعرف ارتفاعا تارة و تارة أخرى يعرف الركود والجمود، إلى حدود الازمات التي عرفها النظام الاقتصادي الراسمالي العالمي، وكما تمت الإشارة إلى ذلك في عدة دراسات، التي أقيمت على هذا النسق الحيوي؛ والذي يضم العديد من الأنظمة الاقتصادية التي ساهمت بشكل فعال في خلق توازن قوى بين العرض والطلب، والتبادلات التجارية العالمية التي كانت قائمة على تبادل الموارد منها السلع الغذائية أو الطاقية أو غيرها من التبادلات الاقتصادية، ليسير العالم نحو اقتصاد مهيكل أو ما يسمى بالرأسمالية الليبرالية التحررية.
في اعقاب1929 أي خلال الأزمة العالمية الأولى أو أزمة (wallstreet)؛ التي بدأت من الولايات المتحدة الأمريكية وانتشرت عبر العالم، لتطرأ العديد من التحولات الجذرية. عملت الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة على تصريف الأزمة إلى أوروبا، مما أدى إلى النكوص والكساد العالمي، والركود الاقتصادي الذي أثر بشكل كبير على عجلة الاقتصاد العالمي، خرج خلالها الاوروبيون إلى العمل في المزارع والحقول، وانتشرت المضاربة السلعية في الاثمنة.
بعد هذا عرف العالم الراسمالي انفراج في العلاقات التبادلية الحرة على جميع المجالات، سواء الاقتصادية أم الاجتماعية أم غيرها إلى حدود 2008؛ والتي شهد فيها العالم تحولا اقتصاديا نكوصيا نحو الأسفل؛ والذي بدأ ثانية من الولايات المتحدة الأمريكية وصولا إلى أوربا؛ فقد اغلقت الشركات والمصانع وتم الاعلان عن مرحلة كساد جديدة بين سنتي 2008 و 2009
يعتبر كل من Philippe Bacchetta و Eric van Wincoop احد المنظرين الاقتصاديين الذين وصفو هذه الطفرة: بطفرة الهلع الاقتصادي: الذي تسبب في تسريح العمال من المصانع و اعلان الطوارئ الاقتصادية.
وفي عام 2010 عرف العالم نوعا من النشاط الاقتصادي؛ ساهم في التزايد السريع للتبادل التجاري الحر العالمي، وهو ما اثر على البناء الاقتصادي الاوربي، وازدهرت المصانع والشركات التي اصبحت تستقبل العمال من كل بقاع العالم؛ لأنه في حدود 2020 دخلت الولايات المتحدة الأمريكية صراعا مع الصين، ونفس الوقت خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوربي، و هو الشيء الذي سيؤدي الى تغيير خريطة العالم، ورسم حدود اخرى جديدة.
إن ما يشهده العالم اليوم من سيناريوهات للتغير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وغيره من السيناريوهات المحتملة؛ من شأنه تغيير خريطة العالم في ظل هذه المعظلة الوبائية التي شهدها العالم.
ثم تغير انساق العالم الاقتصادي، اي أن العالم سيعرف تحولا جذريا للانتقال من الاقتصاد العالمي إلى مرحلة الاقتصاد الاقليمي؛ أي أن كل بلد ينتح اقتصاديا، وهذا ما عرفته اغلب بلدان العالم والمغرب بشكل خاص؛ حيث عرف هذا النوع من الوعي الاقتصادي، من خلال الاتجاه الى تصنيع الكمامات وأجهزة التنفس الوطنية وغيرها؛ فهي مرحلة الانتقال التدريجي.
أما على الصعيد السياسي بدأت تظهر بوادر اخرى للعلاقة الدولية، أي انهيار اقطاب وبداية تشكل تحالفات جديدة؛ وهو الشئ الذي سيغير خريطة السياسة العالمية، ويبقى رهان اخر من الرهانات العالمية من سيتزعم ويقود العالم؟ حيث أشارت الأبحاث أن القارة العجوز عرفت انهيارا اقتصاديا وسياسيا. وكما صرح(Bill Gates) بأن القطب الصيني الأن يتزعم العالم وهو الأمر الذي يقلق الولايات المتحدة؛ وأن هذه الاخيرة وجب عليها قطع مجموعة من الاشواط للحاق بالصين.
اكدت هذه الجائحة أن العلم والتعليم هو روح المجتمع الذي ينتقل من جيل لآخر، ويجب ان يتجاوز حجرة الدرس الضيقة إلى فضاء اوسع وارحب، فبالعلم يمكن ان نواجه ونتحدى الصعوبات.
إن كورونا كوباء عالمي ساهم وبدون شك في اعادة ترتيب الأوراق والاولويات، وخلق سياسيات اجتماعية جديدة، هدفها التدمير قصد اعادة البناء سواء على مستوى النظام الاقتصادي أم السياسي الجديد.
هناك رهان اخر الا وهو تقويض الرأسمالية الليبرالية المتوحشة، وتعويضها بالنظام الإنساني، أو النظام الاشتراكي، لأن النظام الاقتصادي الراسمالي سينهار ويعرف ركودا، وهناك بوادر أزمة اقتصادية تلوح في الافق، خاصة وأن فالاقتصاد الأميركي لا يزال أكثر هشاشة مما هو متوقع، حيث إنه حقق نموا لا يتجاوز 2% خلال الربع الثاني من عام 2019.
 
الباحثة: خولة الزلزولي
الباحث: محمد حتيمي
جامعة محمد الخامس بالرباط -المغرب-

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :