عبد السلام المساتي يكتب: تصحيح مسار النقد السينمائي بالمغرب من خلال كتاب “السينما المغربية.. أسئلة الـتأويل وبناء المعنى”

9 أبريل 2020

دائما ما آمنت أن إشكالية الفن بالمغرب غير مرتبطة في الدرجة الاولى بالإبداع، وإنما مرتبطة أساسا بالطريقة التي نقيم بها هذا الإبداع:  كيف نقرأه، كيف ننظر إليه.. هل لنا القدرة على ننظر إليه من خلال زوايا نظر تبعد عن منطق المجاملة أو العداء..؟ وهل يملك، من يقوم بدور التقييم(النقد)، الآليات المعرفية اللازمة ليحيط بالجوانب الكاملة لفعل الإبداع المراد تقييمه..؟

لننتقل من الفن كشمولية إلى السينما كفرع سابع للفن ونتساءل: من يقوم بالنقد السينمائي في المغرب؟ من يكتب عن الأفلام في المغرب؟ ما عدد الإنتاجات الكتابية السنوية حول السينما في المغرب؟

ليس مهما أن نجد أجوبة قطعية لأسئلتنا تلك، ليس لأنه لا أجوبة قطعية، وإنما لأن الأجوبة قد تكون محرجة لنا كدولة وكمجتمع.. فإذا ما نحن استثنينا بعض الأسماء البارزة والنادرة جدا التي تكتب مقالات بين الفينة والأخرى عبر مجلات متخصصة أو تصدر كتبا على مراحل متباعدة، فإنه وللأسف غالبا ما يكون الفراغ هو السمة البارزة الممتدة بين فعل الإنتاج السينمائي وفعل النقد، وهو الأمر الذي يجعل ساحة النقد متاحة أمام كل من هب ودب، وفي أحسن الأحوال متاحة أمام صحافيي الصفحات الثقافية والفنية بالجرائد الذين يكتبون عن الأفلام من منطلقات مختلفة عن تلك التي قد يعتمدها المتخصص الدارس لآليات النقد السينمائي.

ومن الأسماء المتخصصة الذي قادتني صدف الحياة لملاقاته بين أسوار مكان مقدس ليكون مرشدي في تدريس لغة “سكورسيزي”، والذي تحتاج منا كتاباته وقفة تأملية طويلة ليس فقط لأن متخصصا في اللغة الإنجليزية له القدرة على أن يكتب بالعربية وبتلك السلاسة والدقة والجمالية، وإنما أيضا لأن كتاباته السينمائية دقيقة جدا وتحيط بكل الجوانب التي يتوقع المتلقى المختص أن يجدها في كتابات من ذلك النوع. حديثي هنا يخص الأستاذ، محمد البوعيادي، صاحب كتاب “السينما المغربية.. أسئلة الـتأويل وبناء المعنى”.

 الحقيقة أنا لا أتفق كثيرا مع من يقول أن هذا الكتاب هو امتداد لنهضة النقد السينمائي التي يعرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة، لكني أقول بالمقابل أن الكتاب هو محاولة ثورية جديدة  في المجال. أجل نحن هنا لا ننقص من شأن كتابات نقاد سابقين بصموا الساحة برؤاهم وبمحاولاتهم التصحيحية لفعل النقد السينمائي ولفعل القراءة في الأفلام المغربية السينمائية التي تضاعف حجم  انتاجاتها خلال السنوات الأخيرة، والتي كان من المفروض أن يوازيه تضاعف في عدد الكتابات النقدية، لكن هو الأمر الذي لم يحدث. قلت أن كتاب الأستاذ محمد البوعيادي هو محاولة ثورية جديدة بحكم انطلاقه من أسئلة النقد نفسها ومحاولته أن يموقعنا في إطار التطور الكرونولوجي الذي عرفه النقد السينمائي في المغرب، وهو بذلك يظهر لنا أنه متصالح جدا مع السالفين ومقتنع جدا بتجاربهم وبعصاميتهم، بل ويؤمن بدورهم في ما وصلت إليه السينما المغربية اليوم. غير أن هذا الاعتراف بجميل السالفين لا يعني أن الأستاذ البوعيادي توقف فقط عند ما وصلوا إليه هم في محاولاتهم النقدية، بل جعل ما وصلوا إليه منطلقا ليقدم قراءات نقدية مختلفة ومبنية على تفاصيل لم ينتبه إليها من سبقوه. وهو الأمر الذي نكتشفه من خلال حديثه عن وظائف الصورة السينمائية والتي أجملها في: الوظيفة التواصلية، الوظيفة الإيديولوجية، الوظيفة الترفيهية، الوظيفة التربوية، والوظيفة التجارية.. وأيضا نكتشفه من خلال قراءته النقدية لستة أفلام مغربية، والتي أوردها في الفصل الثاني من كتابه.

باب السما مفتوح، نساء ونساء، عطش، موغادور، خيط الروح، ألف شهر… هذه هي الأفلام التي وقف عندها البوعيادي بقراءة تأويلية مفصلة ودقيقة وشاملة الأبعاد، رابطا المقدس بالجمالي، والرمزي بالدلالي، والحاضر بالماضي… في صورة لا تخلو من جمالية ولا تخلو من إعتراف بابداعية وعمق المخرجين الذين تناول أفلامهم بالقراءة. فهذا الاعتراف بعظمة الإنسان المبدع المغربي هو ثورة وانقلاب على تلك الرؤية الكلاسيكية التي تقدس المبدع الغربي وتجعل منه النموذج الأوحد للنجاح، وها هو الأستاذ البوعيادي يذكرنا في كتابه باندهاش وإعجاب المخرج العالمي “مارتن سكورسيزي” بفيلم “موت للبيع” لصاحبه المخرج المغربي “فوزي بنسعيدي”. أقصد القول أنه ليس للناقد أن يكتب عن سينما هو غير متصالح معها وغير مؤمن بقدرتها الابداعية لأن كتابته ستكون محملة بالكثير من الذاتية التي لن تخدم النقد في شيء وقد تنقص من قيمة فيلم تطلب من مخرجه وباقي فريق العمل الكثير من الوقت والجهد.

في النهاية نقول أن الناقد محمد البوعيادي من خلال كتابه “السينما المغربية.. أسئلة الـتأويل وبناء المعنى”، قد حاول فعلا أن يصحح مسار النقد السينمائي في المغرب، حاول أن ينقذه ويعيده لسكته الصحيحة ببعث الروح في مفاهيم كنا قد بدأنا ننسى بتواجدها، نحن الذين نكتفي بقراءة مقالات باردة تحاول عبثا أن تبعث الروح في بعض  الأفلام، لكنها في الواقع مقالات تقتل قيمة تلك الأفلام وتجردها من ماهيتها ورسائلها فنية كانت أو ثقافية أو إنسانية أو أخلاقية…

    عبد السلام المساتي – مدينة طنجة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :