عبدالعالي نلحيان يكتب: ثمن الوسامة

18 مارس 2021
جميل هو، وسيم هو،ذا طلعة حسنة ومهابة، فصيح وبليغ ينظم الشعر ويوحد القوافي، سهيل أشقر الشعر. ذا جفون زرقاويين وقامة فارس مغوار، كان من أجمل شبان قبيلته، لكن وسامته تجلب له المصائب، وخروجه يترجم بخطف الأنظار، ويفقد الناس صوابهم عند رؤيته، إذ لا شغل يشغلهم إلا التأمل في خلقته،فكثرت الحوادث جراء هذا، ومن النساء من رأينه وهن يحملن أقذار ماء فيوقعنهن من شدة الذهول وفثنة جماله، ومنهن من رأيته فتعثرت وسقطت أرضا ،وغيرهن من الوقائع ،ليصبح حديث المجالس وداع صيته، وأمست حسناوات القبيلة يرفضن كل عروض الزواج ومن يتقدم لخطبتهن من الشبان، آملات ظفر إحداهن بسهيل. فأضحى يلقب بالمفثان.
 
ساءت الأحوال فكثرت الشكايات إلى القاضي عن ما ألحقه بأهل القبيلة، وإزداد حاسدوه من أقرانه، وأفضى به ذلك إلى أن أصدر القاضي حكما في حقه عقابا له ، ليتقوا شره، رغم كونه لم يقترف خطأ ، وجاء في الحكم إجباره على الزواج بإبنة عمه عفراء، التي يعرف عنها كثرة الكلام والثرثرة، ذات طباع سوء وطاعنة في السن، لم يتجرأ سهيل عن الرفض وفعل ما طلب منه فتزوجها.
مرت الأيام والشهور بطعم مرارة عاشها مع زوجته فأحس بالدعر وكره العيش والبقاء معها .لا هو يسكنها قلبه لسوء طبعها ولا هي جامحة رافعة مثل غيرها.
وقد ساد عرف في القبيلة مفاده أن من هجا زوجته أمام الناس لا تحق له بعد ذلك، فهجا عفراء قائلاً:
حكموا على سيد الشبان
وزوجوه الشمطاء
عشرتها ألم بعينه
بل شبه إعدام بالبطحاء
 
فطلقها وعاد من جديد إلى حياته المعتادة و اشترط عليه مقابل ذلك أن يضع اللثام قبل خروجه ، فرغم كل هذا أعاد الكارة مرة و مرة ،لكن هذه المرة جاءته ضربة تحت الحزام بحكم جديد أصدره القاضي فأقبل على قلبه ككبة من اللهب حين قرر تزويجه من عجوز أكل منها الدهر وشرب و تفوق سنا ،فخير بين الموت أو الزواج بها ، تصارعت الأفكار في عقله فلم يكن الحل إلا الزواج ، ويوم قبل زواجه وجد ميتا بعد أن أقبل على قدر مليء بالزيت المغلي فوضع فيه رأسه ،فانتقم من جماله وكلفته حياته.
ووجد بالقرب منه رسالته الأخيرة مكتوب فيها:
أوتيت من الرزق العلم والجمال
فكان مصيري الموت لا العلياء
فما فعلت بيد و لا سرقت
وما قتلت عبدا و لا زنيت
 
العبرة
لا أحد مخير فيما هو عليه من صفات ،وقد يكون أفضل ما يميزك مصدر إزعاج للأخرين ، لدى لا يجدر بنا عقاب الاخرين عن شي خارج إرادتهم.
 
عبدالعالي نلحيان – مدينة مراكش
 

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :