زكرياء الساسي يكتب: تفلسف الحمار فمات جوعا

18 مارس 2021
 
تأتي هذه المقولة المشهورة في حقل الفلسفة و كثيرا ما نسمعها دون أن ندري ما قصتها الحقيقية و ما الغاية منها. هذه الجملة التي تحمل في ذاتها مفارقة عجيبة ” تفلسف الحمار فمات جوعا “.



 
جان بوريدان هو فيلسوف و عالم عقيدة و منطقي فرنسي عاش في القرن الرابع عشر، و الذي اهتم كل الاهتمام بالطبيعيات ( الطبيعة ) جعل منه هذا العلم ينتج الكثير من المفاهيم و كان هو السباق إلى تأسيس بوادر الثورة الكوبرنيكية، انطلاقا من مفهوم قوة الدفع الذي تحدث عنه و الذي سيتطور مع كوبرنيقوس، و لأن بوريدان كان يهتم كل الاهتمام بالكائن الحي و الدوافع التي تحركه و تدفعه للقيام بسلوك دون الآخر جعل منه هذا الاهتمام أن يعيش تجربة فكرية عجيبة يحاول منها فك معضلة حرية الإرادة/حرية الاختيار.
و هي ما تسمى الآن ب تفلسف الحمار فمات جوعا أو حمار بوريدان، و الذي يعرض من خلال هذه القصة أو التجربة الفكرية المشكلة التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية عندما يريد أن يختار بين شيئين لهم نفس القيمة و نفس الدرجة، فيقف حائرا متسائلا: أيهما أختار ؟ أيهما الأفضل ؟.
 
هذا بالضبط ما حصل مع حمار جان بوريدان، حيث تروي القصة أن بوريدان هذا كان له حمارا كسلان و أراد بوريدان أن يتركه جائعا بدون أكل و لا شراب لمدة يومين، بعدها أطلق سراحه و وضع له كومتين واحدة تحتوي على القش و الأخرى على الماء، مع العلم أن الكومتين يبتعدان على بعضهما بنفس المسافة ليقف الحمار وسطهم حائرا مندهشا أيهما أختار ؟ أو من أين أبدأ ؟ هل أبدأ بالأكل أولا ام اروي عطشي أولا ؟ ثم هل عليا أن آكل و أشرب بتساوي بدون أن أكثر من القش أو الماء ؟. كل هذه الأسئلة هي التي جعلت حمار بوريدان يقف بين كومتين لا يستطيع الذهاب إلى واحدة منهم و ترك الأخرى، كما أنه لا يستطيع أن يذهب إليهم معا في نفس الوقت، هذا ما جعله يسقط أرضا ميتا بدون إختيار و بدون اقبال على الفعل أو حتى المحاولة.
يجب أن نعلم أن هذا الحمار كان يتصارع مع أفكاره و تساؤلاته التي كانت بمثابة قيود تكبله منذ خروجه من الحظيرة، كما أنه كان يتصارع مع الوقت/الزمن الذي يعبر عن اللحظة التي كان يقف فيها أمام اختياراته المتضاربة في جمجمته و المتجسدة أمامه، فالوقت و الجوع لم يعطفا على الحمار، هذا ما جعله يعيش نهاية تراجيدية تنصفه في شيء واحد هو أنه خرج من الحظيرة ليدخل إلى التاريخ إنطلاقا من قلم جان بوريدان.
المغزى و العبارة من هذه قصة طبعا هي أن الإنسان أيضا يخضع لنفس شروط الطبيعية التي خضع لها حمار بوريدان، فهو ككائن عاقل و طبيعي يقف دائما حائرا متسائلا اي الاختيار اختار و أيهما يمكن ان يكون الأفضل بالنسبة لي، و هذه هي مشكلة الإرادة التي تكون هي المحرك للسلوك الإنساني و أي فعل راجع لها هي. نحن نعلم ان الإنسان له الحرية و هذه الحرية مرتبطة بالإرادة التي تحرك الإنسان كما قلنا على القيام بالأفعال و السلوكات…
 
زكرياء الساسي – مدينة القنيطرة
طالب باحث في شعبة الفلسفة بجامعة ابن طفيل (القنيطرة).

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :