زكريا عبد اللوي يكتب: دموع ليسا – الجزء الثاني

24 يونيو 2021
 
 
يجب أن تذهب يا ويليام، لا نملك أحد غيرك
بعد كل هذه السنوات، لا أعتقد أني قادر على فعل شيء ما، لقد كبرت، لم أعد بنفس المهارة، لست رجلكم الأنسب يا سيدي
لا تقل هذا، أنت الأفضل، لم نستطع إيقاعه في أية فخ، لقد قتل من رجالنا المئات، إنه كابوس يا ويليام وسيموت الآلاف إذا لم توافق على الذهاب.
صمت ويليام قليلا ثم قال له: حسنا ستكون ميتة جيدة، آخر أعمالي، حنى هناك رأسه يفكر قليلا ثم قال بصوته الجمهوري المعتاد بعد أن عادت إليه هيبته: متى سأذهب يا سيدي؟
قال الآخر: غدا يا ويليام، لا نملك وقتا، ستغادر غدا، حاول أن تقضي يومك هذا مع عائلتك.
رد: سأفعل، ولكن يا سيدي لماذا تريدني أن أذهب بسرعة؟
قال الآخر: آه يا ويليام لو لدي القدرة لأرسلتك الآن، هذا الشخص ليس كباقي المجرمين الآخرين، إنه لا يتوقف، لقد دمر من القرى العشرات، وقتل الناس بالآلاف، لا نعلم لحد الآن لم يفعل دلك، لقد جمع من المال ما يكفيه، ومن الشهرة ما يغنيه عن التعريف، لكن لا نعلم لحد الآن دوافعه، أو ما يريده. إننا نريدك أن تذهب بسرعة، لأنه بعد ثلاثة أسابيع سيقام المهرجان في هذه البلدة، ونتوقع أنه سيشن هجوما هناك، كما فعل العام الماضي
نظر إليه ويليام ونظرة الخوف تعتلي ملامحه ثم قال: ولكن إذا كان قد هجم عليها السنة الماضية لماذا يعيد هجومه عليها هذه السنة؟
تنهد الضابط لمدة طويلة قليلا ثم نظر إليه وقال: إنه يريد الحصول على شيء،شيء لم يحصل عليه المرة الماضية، لقد فهمنا بعد هذه المدة أن في تلك البلدة مسحوق، مسحوق لحد الآن لم نفهم ماهيته، الشيء الذي استطعنا أن نعرفه هو أنه يمكن من صنع قنابل متفجرة قادرة على تفجير محطات ومدن بأكملها يا ويليام.
قطب ويليام حاجبيه ورد متسائلا: إذا شيء بهذه القوة، لماذا لا ترسلون الجيش يا سيدي؟
رد الضابط: إننا لا نريد جذب الانتباه لنا وللمسحوق يا ويليام كما أننا لم نتأكد لحد اللحظة من وجود هذا المسحوق في تلك القرية، لقد بحثنا عنه لمدة عام ولن نجده ، ولحد اللحظة فقط خمسة أشخاص على علم به، إذا نشرنا الأخبار عنه ستكون حرب يا ويليام. نريدك أن تطارده وتقتله، والا تتسرب معلومة عن هذا المسحوق لأحد، وهاك ثم ناوله صندوقا: هذا يحتوي على عينة من المسحوق أبقه معك.لتعرف مع ماذا تتعامل.
قال ويليام: حسنا يا سيدي، احرص على أن يعيش أطفالي حياة جيدة إنهم يريدون ضباطا كذلك، أرجوك اجعلهم، ثم نظر في عيني الضابط نظرة أمل وحنى رأسه.



رد الضابط الأعلى: سأفعل يا ويليام، إنك رجل شجاع.
 
خرج ويليام من المكتب يسير بخطى متثاقلة، لقد كان يأمل أخيرا في الاستقرار مع عائلته، بعد أن نقلوه إلى العاصمة منذ عام، لكن يبدو أن كل شيء تغير الآن.
 
الجزء الرابع: الشريف الجديد
جلس في مكتبه هناك يفكر، لقد مضى على وجوده الآن أسبوعان، وجد هذه البلدة كباقي البلدات الأخرى، كانت صغيرة قليلا غير أن ما كان يميزها هو موقعها، فكانت صلة وصل بين جهات المملكة الأربع، حيث كانت تقع في المنتصف، تربط في الجنوب بلدة النساء الأرامل، وفي الشمال كانت تحد بلدة النواخس، اما من الشرق فكانت تبعد بمسافة ليست بالكبيرة بلدة الأنهار، ثاني أكبر المدن بعد العاصمة. كانت بلدة صغيرة، لكنها كانت تحظى باهتمام العديد من الزوار، فكان المتوافدون عليها كثر في فترة الصيف والربيع، كان الجميع يقصدها، الصيادون وصائدوا الجوائز، وكذا بعض العائلات من أجل التجارة وانشاء المزارع، لأنهم كانوا يجدونها بيئة مناسبة، فلا منافسة هنا مع عائلات أخرى، ولا أية شيء من هذا، وما كان يزيدهم إصرارا عليها توفر المياه بكثرة، فكان يمر جنب البلدة نهر الأخدود وهو مجرى مائي يقع غرب البلدة يبعد عليها بمسافة ليست بالطويلة، فكان يغطي جل احتياجات الساكنة من الماء.لكن بعد الهجوم الأخير توقف الكل عن المجيء ولم يعد هذا المكان كما كان، فمنذ السنة الماضية لم يأت إليها أحد غير الشريف الجديد قبل أسبوعين، لقد أصبحت مكانا مخيفا، لذلك قررت البلدة إقامة المهرجان ودعوة عدد من الشخصيات المهمة علها تعود لسابق عهدها.
 
جلس الشريف ويليام هناك في مكتبه الفوقي يفكر في ما قاله الضابط الأعلى عن البلدة وعن المسحوق وعن كل شيء، لقد خدم سنيا طويلة لكنه لم يصادف يوما شيأ كهذا، لقد كان يفكر فقط لم شيء بهذا الأهمية لا يوكلونه إلى الجيش؟ ما الذي سيقدر هو على فعله مع العشرين باحثا؟. لكنه قرر التخلي عن هذه الأفكار في تلك اللحظة ومحاولة عمل شيء مفيد، يجب أن أقوم بعملي وحسب هذا ما أخبر به نفسه، ثم قام من مقعده الخشبي يبحث بين رفوف مكتبه عن مذكرات للشريف القديم كان قد وجدها لما انتقل إلى هنا، كان قد وجد هذا المكتب مبعثرا ومدمرا، استغرقه الأمر يوم كامل لإعادة ترتيبه، لما انتهى كان بين لحظة واخرى يقرأ التقارير و الكتب الموضوعة هنا، لكن قبل ليلة ولما كان يرجع كتابا قد وجد إلى رفه، فوجئ بوجود قطعة خشبية انزاحت لما ضغط بالخطأ بمقدة الكتاب عليها، لم يكن يعلم بوجودها، فلقد تفحص دلك المكتب مرات عديدة لكنه لم يلحظها، لما أزاحها وجد هذه المذكرة، كان قد بدأ قرائتها البارحة لكنه لم يكملها، لأنه شعر بالإرهاق فتمكن منه النوم، كانت أيامه تمر هكذا، تعب وتعب، كان يدرك جيدا أن المهرجان قريب وعليه التصدي له، لكنه لحد الآن لم يعلم كيف، فتحها في الصفحة الثلاثين، كانت مذكرة صغيرة خضراء كتبت بجمل متقطعة، غير مفهومة ومما استطاع أن يفهم فقد كتبت عن البلدة وأحوالها وبضع ملاحظات عن منزله وعن أشياء يجب أن يحضرها لما كان يسافر، لكنه عزم أن يقرأها عله يجد شيأ مفيدا، لما وصل إلى الصفحة الخمسين وكان قد تبقى في المذكرة عشر صفحات وجدها خاوية لا شيء كتب عليها، كان يعلم أن الشريف القديم قد حقق أيضا في موضوع هذا المجرم، ولكن كانت مدة قصيرة، ولكن كيف لا يكتب عنه شيء، لقد كتب أشياء مهمة، ردد في نفسه، لكن في الصفحة الأخيرة، وقد لا حظ هذا الأمر لما أراد إغلاق المذكرة أنه كتب شيء عليها، بشكل معكوس، فقام بقلب المذكرة ليقرأها، لقد كتب في جملتين: سيحدث الهجوم في اليوم الثاني من المهرجان، إذا أردت أن تعرف من الفاعل إسأل لويس، هو من رباه.
كان هذا ما كتب فيها، لما أنهى قرائتها أعاد قرائتها مرة أخرى ليتأد منها، ثم هبط إلى المكتب التحتي، كان لانين آخر شخص تبقى من الذين كانوا يخدمون في فترة الشريف السابق، وجده هناك جالس في مكانه كما وجده أول مرة غير أنه الآن كان صاحيا، وقد تغيرت الغرفة قليلا ، فكان عليه أن يتدبر لرجاله مكانا فوضع لاثنين منهم مكتبين هنا معه الأول بمحاذاة الباب، ليسأل الزائرين والثاني كان هلى يمين الباب، وقد وضع فيه رجله الأول جوني، ليحلل ويراقب لانين لأنه لم يكن يثق به، فكيف أن الجميع ماتوا وهو بقي على قيد الحياة؟ لكنه لما سأله وجد أنه أرسل في مهمة، قبل المهرجان وعاد بعده بأسبوع، حياه لانين فور رؤيته، وبادره الأخير قائلا مريا إياه المذكرة: لمن هذه المذكرة؟ رد الأخير وقد بدا أنه ميزها: إنها للشريف الذي كان هنا قبلك يا سيدي. قال الآخر: حسنا، هل كان يكتب فيها وحده؟ هل تخصه وحده؟ علت ملامح الدهشة لانين ثم قال بنبرة مازحة: إنه مذكرته يا سيدي، من عساه يكتب فيها، نظر إليه ويليام نظرة حازمة مما جعلت الآخر يخفي ابتسامته ثم قال ويليام لما توقف الآخر عن الابتسام: في الصفحة الأخيرة من المذكرة كتب شخص ما هذه العبارة، ثم أراه إياها، ومن الواضح ان خط اليد مختلف، فماذا تقول الآن. علت ملامح الحيرة والأسف ملامح لانين، كما دهش الآخرين لرؤيتها، ثم قال لانين: أين وجدت هذه يا سيدي؟ رد ويليام: فوق بين الرفوف، لماذا؟ صمت لانين للحظة ثم قال: في الحقيقة يا سيدي، لقد أضاع الشريف السابق، هذه المذكرة، قبل ذهابي في المهمة بيوم واحد، لقد بحث عنها طويلا ولم يجدها، أنا لا أعلم يا سيدي. نظر إليه ويليام قليلا كأنه استدرك شيأ ثم قال: قل لي، هل تعرض هذا المركز لهجوم من المجرمين، إني لا ألاحظ عليه أية علامات اعتداء. رد لانين: في الحقيقة يا سيدي لم يتعرض هذا المركز لأية هجوم، لقد دهشت لما وجدته سالما يا سيد.
نظر إليه ويليام وقد اعتلت ملامحه الدهشة، كيف لم يهاجموا هذا المكان؟ ولماذا؟ ثم استدرك بعض لحظات ووجه سؤالا آخر إلى لانين: ولكني عندما جئت وجدت الطابق الفوقي في حالة فوضى، ما كان سبب دلك؟ رد الآخر : لا نعلم لقد كان في وضعية جيدة، لكن شخصا ما اقتحمه قبل مجيئك بأسبوع، وفعل ما فعله، لم أرد تنظيفه لأني علمت أنك قادم. شخص ما اقتحمه، لماذا هل لأنه عرف بأمر المذكرة؟، ولكن الشريف السابق مات؟ هل يعقل أنه ما يزال حيا؟، كانت هذه الأسئلة تدور في خلد المحقق لما سمع إجابة لانين، قم قال بعض لحظات من التفكير: ومن يكون لويس هذا؟، هل يوجد شخص هنا بهذا الاسم؟. عم الصمت للحظات قليلة، بدا كأن لانين شرد قليلا بعد سماعه اسم لويس، لما لم يجب أعاد الشريف سؤاله، فأطلق الأخير آهة ثم قال: نعم يوجد رجل واحد يا سيدي بهذا الاسم.لما سمع الشريف هذا الأمر قال: حسنا، لنذهب لرؤيته.أسن يقع منزله؟ رد لانين بنبرة باردة: لا يمكننا يا سيدي، لويس هذا رجل عجوز لا يحب رجال الشرطة والعسكريين، إنه لا يحدثهم، لقد أردنا مرة الحديث معه في قضية سابقة وكانت النتائج كارثية، وبالإضافة فإن مزرعته بعيدة قليلا من هنا، مسيرة يوم كامل بالجياد.لما أنهى كلامه رد عليه ويلسام بنبرة حادة: سنحادثه ولو بالقوة..قاطعه قبل أن يكمل لانين وقال: لن ينفع يا سيدي، إنه بالفعل يمتلك رجالا هناك وستكون معركة معه، قد نخسر فيها أرواحا كثر، لكن هناك حل آخر



سأله ويليام بسرعة: ماهو؟
 
رد الآخر: هنالك هذا الفتى قد يقبل العجوز لويس الحديث معه، اسمه ريان وكان أبو ريان هذا صديقا حميما للويس، فربما إذا أرسلنا الولد -وقد أخذ على عاتقه حماية البلدة- إليه، سيحادثه.
فكر قليلا الشريف فيما سمع، ثم قال حسنا أينويكون ريان هذا؟ رد الآخر: إنه في الحانة المقابلة. صعد الشريف إلى مكتبه وبعد لحظات عاد ممسكا قبعته في يده، ثم خرج من الباب قاصدا الحانة، كانت أمام المخفر، وجدها خاوية من دون أية ناس سوى شاب جلس في طاولة هناك يشرب كأسا وينظف مسدسه، تقدم الشريف نحوه وجلس في المكان المقابل لكرسيه، لم يرفع الآخر عينيه ليراه بل ظل ينظر إلى مسدسه، أشار الشريف للساقي بيده ليجلب له شرابا ثم قال: ريان أليس كذلك؟ رد ريان: وإذا قدر لي أن أكون، ماذا هناك؟ وضع الساقي الشراب أمامه وشكره ويليام ثم قال: هناك مهمة لك، يا ريان نريدك أن تساعدنا في شيء. صمت ريان قليلا ثم قال وهو ما يزال ينظر لمسدسه: وما هو؟قال الآخر: حسنا، نريدك أن تقابل أحدا ما وتسأله عن شخص آخر. انفجر ريان ضاحكا بعد سماعه لكلام الشريف، في حين ظل هو ينظر إليه، وقال لما انتهى: هل الشريف ويليام بكل عظمته يريدني أن أستجوب أحدا، لما لا تفعل دلك بنفسك. رد الآخر وهو يرتشف مشروبه: حسنا لا يمكننا دلك. نهض ريان لما سمعه وقال وهو ينظر إليه: وانا لست مهتما بمساعدتكم، ثم دفع كرسيه، وهم مغادرا، لدينا اعتقاد بأن الشريف السابق لا يزال حيا، قال ويليام، لم سمع هذه الكلمات ريان توقف، ثم عاد إلى مكانه ونظر في عيني الشريف مباشرة وقال: أكمل، قال الآخر : كما سمعت، لقد ترك لنا مذكرة، كتبت فيها معلومة مهمة عن المجرم المتسبب في كل هذه الأحداث، ويبدو علم بشأنها، فأرسل أحد أتباعه ليعثر عليها، لكنه لم يجدها ، لأنها كانت مخبأة جيدا، قد نجد الفاعل يا ريان، من قتل أبوك، وفعل كل هذا بقريتك، كما أنه يمكنك إنقاد أبو حبيبتك، اسمع إني أعرض عليك الانضمام إلي، إني أعرض عليك الإنتقام. فكر ريان للحظات ثم قال: فقط عدني بأني انا من سيقتله، اومأ له الآخر بالإيجاب، ثم قال ريان: ما المطلوب مني.
 
 
زكريا عبد اللوي – مدينة وجدة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :