نهاد الدحماني تكتب: جعة الهجر

24 مايو 2019

يترنح في الدروب سكراناً و قد بلغت منه الثمالة كل مبلغ.. يمشي دون وجهة.. ملابسه غير مرتبة بتاتاً و ليس من عادته عدم الاكتراث بمظهره.. قميص يطل من السروال.. كم مرفوع للأعلى.. سرواله بدأ بالإتساخ..مظهره لا يدل على أنه شاب معاصر يهتم بالأدب الفرنسي.. و لا يوحي أن صاحبه طالب بجامعة العلوم.. ظل على حاله إلى أن تهاوت قدماه فجلس في طرف الرصيف مبتسماً، و انبجست من شفتيه كلمة اللعنة.. حتى إذا شعر بالنسيم يدغدغ ذراعه العارية أسدل كمه و مرر أصابعه في شعره.. أخرج من جيبه رسالة تآكل ظرفها و اتسخ.. فتحها و ضمها لصدره.. و بحركة لا إرادية ضرب الأرض بقبضة قوية حتى تجمدت يده فطوى الورقة و أعادها كما كانت لجيبه.. ثم أخرج هاتفه الصغير من نوع نوكيا3310..فظل مدة يبحث في قائمة الأسماء عن اسم لطالما جعله يبتسم.. اسم عشيقته الجميلة التي يكن لها الحب و الحقد.. إتصل بالرقم و ظل ينصت للرنين على الطرف الآخر.. و لما سئم الإنتظار كاد ينهي الإتصال قبل أن يسمع صوتاً غير الصوت المنتظر.. إنها أختها.. ردت عوضاً عنها.. و لما سألته عن هويته، أخبرها أنه صديق أختها.. فقالت له ما لم يكن يتوقع حدوثه أبداً ..و هو الذي اختفى من حياتها أسبوعاً فقط.. فعلم أنها اتخذت قراراً حاسماً بينهما دون أن تخبره.. لكن لماذا؟.. أ تراها خشيت أن يؤذي نفسه؟.. أخبرته أختها أنها تقيم حفل زفافها هذه الليلة، لذا فلن تستطيع أن تكلمه.. و زاد يقينه من صحة الخبر حين سمع صوت موسيقى.. أقفل الخط دون أن ينبس بحرف واحدا.. مزق الرسالة و نثر الورقة الممزقة في الأرجاء.. وضع رأسه بين يده غارقا في الخيبة و الحقد.. ثارت ثائرته فلم يعد يعي ما عليه فعله.. فكر  لحظة في أن يذهب لبيت أسرتها فيصيح بأعلى صوته أنه يكرهها.. لكن لم؟.. لن يحظى بمعشوقته أبداً.. عليه النسيان.. عليه أن يتجاوز.. وضع الهاتف في جيبه ثم عاد للحانة.. فشرب مزيداً من الشامبانيا.. ثم خرج خائراً، فاقداً السيطرة..

و هم ذا.. أناس متجمهرون حوله و هو طريح الأرض، فاقد الوعي.. و بصعوبة أخذ يسمع ما يقال بصوت أنثوي: أنا أعرفه ..إنه يقرب صديقتي.. لم يدرِ من هي.. حاول جاهداً فتح عينيه.. و ما إن طاوعه جفناه حتى تسرب لملمحه شعاع الشمس الساطع.. إنه الصباح.. هي، أجل من تراها.. غطى عينيه في حركة لإمعان النظر.. فإذا به يتعرفها.. إنها صديقة حبيبته .. أغمض عينيه في غير اكتراث بما سيحدث.. فإذا برجلين ينهضانه و يمسكانه من كتفيه، أسند رأسه إلى كتف إحداهما و ظل يسير معهما و يشير لهما طريق بيته.. و ها هو ذا متكئ في سريره لا يكاد يصدق ما حدث..

 

نهاد الدحماني – الدارالبيضاء

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :