كمال العود يكتب: الدلالات الرمزية في المجموعة القصصية “قلعة المتاهات” لسعيد رضواني

4 ديسمبر 2022

مدخل:
منذ “مرايا” التي صدرت في ثلاث طبعات، 2010، 2019، 2020، كأول انجازات القاص “سعيد رضواني” السردية، وحتى “قلعة المتاهات” الصادرة سنة 2022 عن منشورات الراصد الوطني للنشر والقراءة، تنامت تجربة سعيد رضواني القصصية وتواصلت ابداعاته وفنياته، مستفيدا من الخبرات القرائية، والملتقيات القصصية، والتواصل المعرفي مع مجايليه من الذين سبقوه، ومن معارفه وعلى رأسهم، شيخ القصة المغربية أحمد بوزفور، والكاتب الكبير الراحل محمد زفزاف.
وبما أن “قلعة المتاهات” هي آخر اصداراته، فهي تمثل خلاصة تجاربه، والمؤشر الأقوى -حتى الآن- على فضاءاته الفنية التي يسير عليها، وتقنياته اللغوية التي يتعاطاها، وشخصياته التي يحركها -على الورق- عبر تجلياتهم الإنسانية ونفسياتهم المتشبعة مجتمعيا وحياتيا.
ولأنها تمثل لي -كقارئ- عينة قصصية ناضجة من مجمل ما أنجزه القاص من انتاجات أدبية، ولهذا ستكون محل ما أسميه ب “القراءة الأدبية”.
-1- إذا كانت القصة القصيرة قد تراجعت أو خفت صورتها في قطر عربي ما، فإن ذلك لا يعني أنها قد تراجعت في بقية الأقطار الأخرى، ولست مبالغا إذا ما قلت إن القصة القصيرة تعيش في المغرب حالة من الازدهار، وأن عددا من الشبان والشابات يواصلون الإبداع في هذا الفن السردي الجميل بقدر من الإتقان والبراعة، كما تجلى ذلك في المجموعة القصصية “قلعة المتاهات”.


-2- من النافل القول بأن كل عمل أدبي مؤثر وليد طاقة خلاقة تدرك بقدراتها الاستثنائية ضرورة أن يكون لكل نص أدبي بعدان: خارجي ميسور التناول، وداخلي غائر في أعماق النص لا يدركه إلا القليل، وهذا الشيء الغائر في النص هو الرمز الذي يتوسله المبدع وسيلة فنية عميقة تكشف طاقة المبدع واقتداره على تجاوز المعنى الظاهر للنص الابداعي.
إن نظرة متأنية لقصص مجموعة “قلعة المتاهات” تشي بإنعكاس الدلالات الرمزية في معظم قصص المجموعة، وبدرجات متفاوتة، وفق رؤية فنية يستطيع المتلقي القبض عليها بسهولة، وبعيدا عن الإبهام والتعتيم.
-3-أضفى القاص سعيد رضواني جمالية أدبية على مجموعته “قلعة المتاهات” عبر جمالية الصياغة في القص وتحقق ذلك عن طريق استناده إلى الصوت والصورة والرائحة، فتحقق التنوع في المشهد القصصي: “أقفل الكتاب وأنا أدندن بنغم أغنية لتبديد الصمت المطبق على الغابة. يحمل إلي النسيم، المضمخ بعطر أزهارها…”-قصة استدراج، “تأتي الريح وتذهب كساعي بريد يحمل رسائلنا المتبادلة، فأقرر أن أحملها رسالة إلى روحها، التي ترقص في قاعة المسرح…وتحمل الريح كلماتي التي تهمسها شفتاي: “بسمة، أنا سعيد””.-قصة عجلة الزمن-.


-4- يبدو المكان والزمان من إنشغالات القاص سعيد رضواني، ففي المجموعة يتضح المكان والزمان بكل حمولاتهما الواقعية، ورمزيتهما الدلالية، فنجد المكان المغلق: البيت، السجن، سيارة، المقهى، القطار…والمكان المفتوح: الضيعة، الربوة، الغابة، البادية…، نجد أن المكان في جل القصص متحكما في حركة القصة وفاعلا فيها ومساهما في إظهار مشاعر الشخوص.
أما الزمان فيتجه القاص نحو زمنيين يتوازيان ويتكاملان في القصص، فالزمن الواقعي وهو الذي يتبدى لنا من خلال مفردات: الليل، النهار، الظلام، الصباح، الأسبوع، المساء، الرابعة، السادسة…، أما الزمن المتخيل أو زمن السرد والذي يدخل فيه الزمن النفسي فهو ما تحيلنا إليه جماليات القص ولغته الايحائية فنجد اختزال الزمن والفلاش باك وما تشير إليها الأزمنة النحوية (الماضي، الحاضر، المستقبل).
في هذا الزمن المتخيل نجد المشاهد المتداخلة كما عودنا على ذلك القاص سعيد، وهذا يدل على مهارة القاص في قيادة الخط الزمني في قصصه من “مرايا” إلى “قلعة المتاهات”.
خاتمة:
وبعد هذه الجولة الأدبية في قصص “قلعة المتاهات” أعتقد أنها تمثل إضافة أدبية نوعية لمسيرة سعيد رضواني وتجربته القصصية. فهو قد استثمر في هذه المتاهات الواقع محاولا إيجاد واقع افتراضي مواز له وذي رؤية انسانية. وتميزت ايضا بخصوبة اللغة وتنوع مفرداتها، مساهمة في صدق الوصف والتصوير، مما مكننا من ولوج لمكنونات النفس البشرية.

كمال العود – مدينة أولاد تايمة



اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :