كريم الحدادي يكتب: يوميات رجل أرهقه السؤال – الجزء الرابع-

13 أكتوبر 2019

عدت مسرعا، تكاد الصفحات الذابلة تذوب من شدة رغبتي في الوصول إلى “الإهداء”. و أناملي تتراقص في فوضى عارمة و جسدي يرتعش من شدة اللهفة و الفضول. لم أجد الإهداء و لم أجد المقدمة و الصفحة الأولى و الصفحة الأخيرة غارقة بين الصفحات أو منعدمة.  رباه …لقد ورطت نفسي. لماذا بدأت؟ لماذا تجرأت؟ ها قد عاد السؤال من جديد. عاد ليطرح على نفس النحو السيئ. لماذا لم يكتب الإهداء؟ أين هي الصفحة الأولى؟

سأتنازل حتما عن هذا الارتجال… ربما لم يكن الكاتب مبتدأ… ربما لن أفلح في تنظيم ما زعمت أنني قادر على ترتيبه. و من قال لي أنه غير مرتب؟ لا شيء يدل على عشوائية القصة و لا شيء يخول لي التحكم في مصير شخصياتها، لذا سأنسحب…

لكنني بدأت ….

فبدأت من جديد،  وعدت أتحدث ل”روبيرتو”. لم أستطع الإمساك به، فحركاته و نباهته مفرطة و عميقة البعد. لقد فقد السيطرة على أعصابه و بات عرضة للجنون. كانت كلماته السحرية المركبة عنوانا للعبث الذي يطال حياته و كانـت لامبالاته تجبرني على طرح السؤال الخطابي الممل: لماذا أبحث في سيرة شخص لا يمت لي بأي صلة و لا يعرفني و لا أعرف عنه سوى ما أراه؟ أ أنا فضولي؟ لطالما كرهت الفضول، لذا فهذا السؤال المتردد على مخيلتي و المتمرد ضدي ليس نمطا من أنماط الفضول البشري الهادف أو غير الهادف. ففضولي هذا لا هوية له.

كرجل شرطة أو كأخصائي في التنمية الذاتية، سألته، بكل ثقة في النفس:

  • يبدو… –يختفي ثم يظهر خياله لأتمم-: أنك تائه.
  • أنا التائه و أنت الذي لست تائها، و أنا المجنون إن أردت، لم أعد فأر تجارب و لن أصغي لخطابك الممل. فانسحب من عالمي و عد من حيث أتيت، فأنا تائه و أنت لست بتائه، فانصرف.

لقد استغرقت نصف ساعة و خمس و أربعون دقيقة و ثلاثون جزءا من المائة، كي أجمع كل هذه الكلمات المتقطعة و المبهمة، و لم أغادر و جلست، جلست أتابع تحركاته حتى ظننت أنه حقا على صواب. فأنا “الدخيل” في قصته  و أنا المتجرأ الذي لا زال يبحث عن جواب لسؤاله.

لقد كان فعلا مجنونا…

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :