علي وخدجو يكتب: عواصف الذاكرة

3 ديسمبر 2021

حينما تقسو الذكريات بـ “عادل” يبدأ صمته ومعها دموعه ثم تستيقظ داخلي أنا تلك البذرة الشريرة فأُحِفِزُ ذاكرته على النبش وأقول: ماذا عن الحب؟ فيسترسل عادل حديثه فاشلا، لكن ما بال لغته هذه لا تترك كبيرا ولا صغيرا إلا وأحكمت قبضتها على لذته؟
يبدأ عادل بنثر سحره مجددا وهو ينفث دخان سيجارته نحو السماء دون عنوان.

ماذا عن الحب؟ كان سؤالا ضخما بالنسبة لغيري، أُلَخصه ببساطة في سيدة القلب ويعاتبني العقل، لكن القلب ظل كـ *تشي غيفارا* وسميرة قضيته. هكذا كنت أجيب *ناصر* وهو يسألني عن تعريف بسيط للحب. أعرف يقينا انه ينتظر مني إجابة مستهلكة، أعيد فيها على مسامعه تعريفات نزار قباني وغيره لكن ما تركته سميرة في القلب لا يوصف… بقدر ما هو إحساس فادح بقدر ما اعتبره كارثة بكل المقاييس.

   كل اللحظات التي عشتها بعدها كانت رثاءا للقلب على الفقدان… فقدان ماذا؟ هذا السؤال كفأس حادة تحفر بؤرا في القلب والعقل معا. أسئلة شائكة يثيرها ويتمدد داخلي يا *ناصر* ذاك الإنسان الذي كنته وأنا أثور على الحياة هناك بـستوكهولم… أدركت ان الحياة لا يكفيك المال لتعيشها فقط.. اعمل بأجرة محترمة وأوفر لنفسي ما قد لا يخطر على بال إنسان، أَحْمقُ كنت وانا أتجول وسط شقراوات ستوكهولم كي أنساها… كنت أبحث عن واحدة تعرض أحاسيسي على الأقل لتنويم مغناطيسي ينهي ما تركته ابنة المغرب في شخصي من كدمات، لكن كعادة العقل حينما يتواطأ مع القدر ويجرك من اذنيك نحو ما لا يتحمله قلب ابن آدم، سقطت في *كاترينا*، هذه السويدية التي حاولت مرارا وتكرارا ان أحبها كما تستحق وأبت عواصف سميرة ان تدعني وشأني.. أخون العهد يا *ناصر* إن أنكرت أنني زرعت الشوك في طريق ابنة الاسكندناف وأنا أحاول أن أفرش لنفسي ورودا نحو النسيان. كانت وسيلة فقط وذنبها أن قدرها رمى بها صوب إنسان أتعبه القدر وألزمه الإيمان بفكرة ماكيافيلية شريرة وهي أن *الغاية تبرر الوسيلة*.

أخير مرة أرى فيها سميرة كان على تطبيق الواتساب في الثالث والعشرين من شهر نونبر من سنة أتلفتها الذاكرة وسط أرشيفها الكارثي، وكان الأمر عاديا، كمن يُدفق كشللٍ كأس خمر أولى في جوفه دون أن تؤثر عليه، كذلك ابنة المغرب حينما مرغَت قلبي في التراب وسط حكاية لم أخلها يوما ستنتهي برسالة مقروءة بلون ازرق دون جواب. أسكرتني وانا أفكر فيها أكثر من مرة وكأني قد أفرغت كل حكايتها على قلبي دفعة واحدة كما يفرغ بعض البشر أكثر من كأس خمر في بطونهم. بقدر ما تشرب كثيرا يا *ناصر* بقدر ما تسد على الوعي أبوابه، وبقدر ما كنت أفكر فيها كثيرا بقدر ما تتمدد شروخ الجرح القابع داخلي. وانا عبثا أحاول إخفائها بضمادة ال”عادي” هذا الذي اكل عليه الدهر وشرب. لكن يا ناصر وبكل صراحة ما هكذا خلت حياتي ولا هكذا خططت لها.
يذكرني الأمر بالعجوز *مينة* وهي تقول لي بعامية هاشة وبصوت يغلبه الآلم “ما تمشي غير فين مشاك الله”. لا أدري، أ هي صدفة ان تكررها مينة على مسامعي أكثر من مرة ام انها كانت تنذر لي بأشياء ما كان ليتوقعها بشر اخر لشخص كأنا. آه، لحكمتك أيها العجوز وآه لو تدركين شوقي لك وانا أقف اليوم على أعقاب قولك ولا أجد لي فرصة لشكرك بعد عودتي إلى الوطن وانا مثقل أكثر من أي وقت مضى بجبال من الخيبة.

ماتت مينة دون أن تدري أن الإنسان داخلي قد مات ورحلت سميرة دون أن تعلم أن الشخص الذي أصبحت عليه لا يمث للبشر بصلة. أما *كاترينا* فأخير ما وصلني عنها أن اليوم الذي رمى بها أمامي هو أسوء يوم عاشته على أرض الدنيا، إنها بسبب جزئية واحدة كانت ستفصلها عني لو احسنت اختيار طريق آخر غير ذاك الذي قادها نحوي كانت ستنجو بنفسها ومني، أنا هذا الإنسان الذي فرش لها دروبا نحو أطباء كثر ستنهي بها نحو مصحة للأمراض العقلية بالسويد. لقد زدت إيمانا يا ناصر بأنه مخطئ من يعتقد ان الإنسان يموت حينما ندفع به نحو قبره، لأنه على هذه الأرض أشخاص قد ماتوا وهم على قيد الحياة.

علي وخدجو- مدينة زاكورة

طالب ماستر وأستاذ مادة الفلسفة.

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

3 comments on “علي وخدجو يكتب: عواصف الذاكرة

  1. ‏‎انا حقا معجبة بكل ما تكتبه …ياريت استاذنا الفاضل تسرد المزيد ???

  2. احمد علي ديسمبر 4, 2021

    جميل استاذنا الكريم قصة مؤثرة و محزنة في نفس الوقت ، اه تم اه من موت الروح قبل الجسد !!!!! واصل السرد

  3. أسلوب سلس، ٌٌلوهلة ضننت أنني أقرأ إحدى روايات أحلام مستغانمي،واصل وفقك الله .

: / :