عريبي عبد الرزاق يكتب: الحزن والأنين في غرفة المجانين؛ ارتسامات ما بعد قراءة المجموعة القصصية “غرفة المجانين” للقاص حسن كشاف

1 سبتمبر 2022

 يضيق الوطن بأهله، تلك الجوهرة التي تشع على البعيد أما نحن داخلها فنزداد اختناقا كما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش، هكذا يتصور القاص حسن كشاف المجتمع المغربي، فقارئ مجموعته القصصية الموسومة  ب”غرفة المجانين”، سيجد حضورا مكثفا للمعاناة، وتطورا ملحوظا لمنحنى الأنين، في البداية كان الهمس بالتعبير عن إحساس الإنسان المهمل بعد انفراط عقد العمر وتمكن الهرم منه، لكنه يتحول إلى جهر بآمال الناس وتطلعاتهم المعلقة على بناية لم تظهر ملامحها، إلا وهي تفتح ذراعيها لاستقبال كل خارج عن القانون مخرجة لسانها بخبث “السجن المحلي” (قصة البناية الشيطان) وسيلة للتضييق على حرية التعبير واعتقال كل معارض لتزوير وشراء أصوات الانتخابات مثلما حصل مع “العم الراضي”، هذه الرؤيا والكشف الذي حاولَه القاص من خلال مجموعته، لم يقتصر على فئة دون أخرى، إذ نجده منصتا لنبض المجتمع، ملتقطا منه لحظات قد تجعلنا العادة نمر عليها مرَّ الكرام، بل أصبحت جزءا من ذاكرتنا البصرية والسمعية والعاطفية أيضا، من منَّا لم يسمع نداءات متسولة مثل “رقية” لكن قليلٌ من أنصت لوجيب قلبها وهي تتحسر وتلطم خدها جراء فقد ابنها جمال، فلذة كبدها التي حولها الفقر إلى أعضاء تاجرت فيها دون علمها.

   إن حسن كشاف في سبره لأغوار الذهنية المغربية والعربية من خلال قصة “القط مسعود” التي تدور في فضاء بيت الحاجة المشعوذة، هناك حيث لا تقتصر الزيارة وطلب البركة على عامة الناس، بل تشمل أيضا المحامي ورجل الأعمال والبرلماني… طلبا لبول القط مسعود، جالب الحظ وفاتح أبوب الرزق.

     ومن المواضيع التي يثيرها العمل القصصي، موضوع الهجرة السرية، فداخل قارب الموت الذي يحمل المرضِعَةَ إلى جانبِ العجوز والشاب، يطفو صراع الأجيال، الشباب يتهمون الكهول والشيوخ بالانبطاح وعدم القدرة على قول لا ‘فمن قال لا فلم يمت” وشيوخ يعتبرون الشباب أكثر ضعفا وخذلانا في عصر تجاوزهم ولن يستطيعوا اللحاق به.

 من هنا تصل حافلة الإبداع عند حسن كشاف إلى وجهتها، عكس علبة السردين (الحافلة 143)  التي تحتضن عينات من مجتمع معطوب،  اللص والمدرس والعجوز… الرحلة في هذا العمل القصصي تفتح القارئ على عوالم مختلفة وفضاءات متنوعة، فاستعانة منه بالمونولوغ فسح القاص لشخصياته حق البوح وقربنا منها أكثر، وجعل نصه غير منقرئ، على حد تعبير بارت، إذ يحترم كشاف ذكاء قارئه، بل يخول له نافذة يطل منها، أو بياضات يتكفل بملئها.

 

عريبي عبد الرزاق – مدينة الدارالبيضاء

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

One comment on “عريبي عبد الرزاق يكتب: الحزن والأنين في غرفة المجانين؛ ارتسامات ما بعد قراءة المجموعة القصصية “غرفة المجانين” للقاص حسن كشاف

  1. زكرياء طاهيري أغسطس 6, 2023

    مقال نستكشف معه حسن كشاف بعين عبد الرزاق، أحسنت.

: / :