حياة عبداللوي تكتب: سجين رقم 14 و 2000

28 أغسطس 2022

لم أستطع الدفاع عن نفسي ذلك اليوم، فكل الأدلة كانت ضدي. حاولت أن أشرح وأن أفسر لكن دون جدوى؛ وكأني أتحدث في قعر بئر عميق لم يسمع صدى صوتي، حتى ألمي لم يسمع، بل حتى دموعي لم تُرَ.  لا زلت أتذكر تلك الرعشة، تلك الصدمة، تلك الرجفة؛ رجفة روحي وأنا واقفة بلا حراك فقط دموع وألم وحزن.

بتهمة لم أرتكبها حكم علي بالسجن طوال الحياة وبالتعاسة الدائمة؛ فبعد أن وجدت نصف فؤادي المبثور. وبعد أن عانقت السعادة، وفتحت لي الحياة الأبواب على مصراعيها. رد الباب في وجهي وأغلقت جميع النوافذ المطلة على الهدوء. انقلب مساري وتغيرت ملامح وجهي. كتب علي أن أحيا جسدا بلا روح. فيا عجبا فقد سموني حياة لأحيا وما الحياة عني بأعلم. أصبحت حبيسة ذكريات لم ولن ترحل، مريضة بلا داء، مكسورة القلب والخاطر، أضحك حتى لا ينكشف غطاء الحزن والضيم. حاولت نسيان ما كان ما استطعت إليه سبيلا فيأبى الذي كان إلا أن يكونا. لا أكاد أغفو حتى أتذكر ما صار وما يصير وما ستؤول إليه حياتي بعد هذا الصدع الذي طرأ. أعيش لأني لم أجد بُدّا ولكني أعيش. أعيش وفي قلبي غصة لا يعلمها إلا الله.

في غرفة من أربع جدران وجدت نفسي؛ فقط عيني من تتحرك، تنظر إلى سقف الغرفة، تتحسس طيف غائب حاضر كان ولا زال. لم أستطع أن أحدث أحدا، تاهت كلماتي وخرس لساني  وغابت أفكاري؛ كأن أحدهم قام بغسل دماغي فقط جملة كنت أكررها قال لي سيأتي ولم يأت…..

بعد انتظار وألف انتظار نطق القاضي بالقرار أن الانفصال أفضل قرار، وما كان على السجين إلا أن يستجيب. بضحكة صفراء باهتة رضيت بالاختيار. سمعت أيادي من خلفي تصفق يحيا العدل هذا أفضل خيار . التفت وعيني مغرورقتين بالدموع ستذكرون هذا اليوم؛ لأنكم حرقتموني بلهيب من نار. استسلمت لقدر محسوم. وها أنا الآن أعيش حبيسة الأفكار؛ لكن وما يدريني فإذا شاءت الأقدار، فقد يتم التراجع عن هذا القرار، ويرجع الاستقرار فمشيئة الله فوق كل خيار.

سألني القاضي عما أتمنى فقلت بصوت خافت وماذا سأطلب والفؤاد فارغ ؟ قال اصمتي فصمت وهمدت. تلعثمت في نفسي وقلت بين ماض وحاضر أتأرجح بين أمل ويأس ينخر ذاتي… أتركني أعبر عن إحساسي فأنا لست مجرمة حتى أتعامل معاملة السجين في الاعتقال. لي حق الدفاع عن نفسي وحق الرد. نطق السجان اخرسي وإلا ضربتك همست فصفعني على خذي فسقطت أرضا . لا من ونيس ولا من حبيب فقط رجلين آيلين للسقوط ويدين مرتعشتين. في الأخير استطعت الوقوف بصعوبة. فجاوبت نعم سيدي القاضي أنت على حق أكمل كلامك أنا من خنت وهو من صان، أنا كذبت وهو من وفى، أنا بعث وهو من اشترى … ضحك القاضي وقال لقد أرجعتك الصفعة للحياة وعدت للصواب الآن……

سكنت قليلا فسألني القاضي ففزعت لماذا اشتقت يا حياة أ أ أ هل تحدثني هههه ضحك القاضي وقال هل أنت حياة قلت كنت أنا أما الآن فكلي هو امتلكت الحياة عندما كان لي أما الآن فإني مبثورة الأطراف ومقسومة الفؤاد ومكلومة القلب وضريرة المشاعر وفاقدة لكل حاسة. هل أنت مريضة أنا سألتك سؤالا صريحا فلماذا كل هذه الثرثرة أنا اعذرني لقد نسيت….

 اشتقت لذلك الطفل الذي بداخلي تمنيت أن ألبي جميع رغباته أن يحلق بلا قيود وأن يمرح ويفرح ويلهو أن يصيح بأعلى صوته وبكل ما أوتي من قوة أنا طفل صغير ولي الحق في أن ألعب وأجري وأركض.

تمنيت أن أتكلم بدون رقابة فقد مللت الحوار الداخلي وتأجيل أمنياتي. لازلت أطمح في لقاء نفسي والتصالح معها والإنصات لها وطلب الصفح منها فأنا مدينة لها على سنوات عجاف قد مرت

تمنيت لو أني تخلصت من ماضي مريح وجرح كسير لازال يلاحقني طيفه كل مساء. تمنيت أن أمحو كل ذكرياتي حتى الجميلة منها ونسيان ما كان.

يا ليت الزمان يعود فتعود معه الحياة. كل شيء تغير كل شيء توقف حتى الإحساس اضمحل.

سكت القاضي لبرهة ونادى السجان بأعلى صوته خذها إلى مستشفى الأمراض النفسية والعقلية فحالتها ميئوس منها. وفي طريقي إلى المستشفى ومن وراء الشباك قابلت من سكن فؤادي والتقت أعيننا فابتسم فنسيت كل ما عانيت وبدأت في الحلم من جديد.

حياة عبداللوي- الفقيه بن صالح

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

9 comments on “حياة عبداللوي تكتب: سجين رقم 14 و 2000

  1. وقفك الله حبيبتي مسيره موفقه

  2. ايناس أغسطس 28, 2022

    تبارك الله عليك بالتوفيق

  3. فاطمة أغسطس 28, 2022

    مقال ممتاز الله يوفقك
    مزيد من التألق

  4. ماشاء الله عليك مقال يحترم

  5. نسيبة أغسطس 28, 2022

    دمتي متألقة الأخت حياة تعبير رائع مزيدا من العطاء

  6. فاطمة الزهراء الخرشي أغسطس 28, 2022

    أبدعتي ?

  7. بالتوفيق إنشاء الله أختي حياة

  8. قصة رائعة أحسنتي بالتوفيق

  9. حبيبتي وصديقتي حياة دمت دائما متألقة وأتمنى لك التوفيق والنجاح في الحياة المهنية والشخصية???? راكي مرضية جامي تخيبي الحب❤️❤️❤️❤️❤️

: / :