عائشة بناني تكتب: رابحة

18 فبراير 2020

“-عذرا سيدتي لن يستطيع أن يمشي مرة أخرى؛ إصابته بليغة هو الآن تحت العناية المركزة سيستعيد عافيته بعد أيام لكننا لم نستطع أن نبقي على قدميه ؛ تستطيعين أن تطمئني عليه بعد قليل سيستيقظ بعد ساعة …”

يبدو أن ما كانت تخشاه  ناهد حصل فعلا  ؛كان عماد  يبدو دوما  على عجلة من أمره  يسابق عقارب الساعة ؛ يخبرها حين تتأفف من ذلك أن العمر قصير لن يضيعه وهو ينتظر خلف الإشارة الحمراء أو  على الرصيف المقابل فهو دوما يتطلع لما وراء الطريق لأن الأجمل هو الذي لم يأت بعد ….

هاهو الآن مسجى أمامها ؛ كيف ستخبره أن شهقة كوابح قذفت به إلى سرير في المستشفى  نصف رجل وهو المحامي الناجح الذي لم يخسر أية قضية طوال مسيرته المهنية لعشرين سنة خلت

 فتح عينيه  نظر إليها بعينين فارغتين تسمرت في مكانها بعدما انسحبت كل الكلمات التي حضرتها طوال ستين دقيقة تهيأ تعابير وجهها لتستقبله

-“رابحة “

“-عماد استيقظت حمدا لله على سلامتك “

”  – رابحة هل أنت هنا؟؟”

 ” – عماد أنا ناهد زوجتك من تكون رابحة؟ وما هذا الاسم الذي يبدو غريبا؟

 اتجه ببصره هذه المرة قبالة باب الغرفة كأنه ينتظر قدوم أحدهم ؛حاول النهوض لكن جسمه الذي ابتلعت نصفه الحادثة لم يسعفه ..

استسلم لوسن خفيف وغاص معه بداخله ؛ ينظر لذاك الحبل النحيل الذي كان يربط بيه وبين الماضي وهو يحترق وتلتهم ناره  الحزام الناسف الذي يطوق حياته…

لا أحد من أسرته أو قريته الصغيرة التي تقع فوق جبل وعر كان يراهن على أنه سينهي تعليمه… حين تركه أبوه يقطع المسافات الطويلة ليلتحق بالمدرسة الابتدائية الوحيدة في المنطقة كان  أقصى ما يطمح إليه أن يتعلم ابنه تهجي الكلمات ليستطيع أن يقرأ له الرسائل التي تصله من أخيه في فرنسا…

 لكن أن يصمم على إنهاء دراسته العليا وارتياد الجامعة هذا لم يكن في حسبانه أبدا ؛ فما الذي ينتظره ابن فلاح إن لم يصبح كأبيه ويعتني بأرضه التي سيرثها بعده ؟

غادر عماد القرية وهو لا يحمل معه سوى بعض المال الذي منحته له أمه دون علم والده  ؛وعنوان لخال في المدينة  انقطعت سبل الاتصال بينه وبينهم منذ مدة طويلة …

وتتلقفه المدينة بضحيجها وصخبها بأضوائها وعتمتها ؛ ويتوصل لسكن خاله وزوجته وأربعة أطفال مكدسين في غرفة واحدة  ؛يقف مشدوها حائرا ضائعا بين رغبته في أن ينهي دراسته والظروف القاسية التي فرضت عليه ….

ويلتقي بها لا يتذكر أين ؟ولا كيف؟ لا تسعفه ذاكرته لأن تجيب عن هاته الأسئلة الآن ..

 يعرض عليها الزواج فتوافق كان وقتها ابن العشرين وكانت رابحة في الستين ؛ انتقل للعيش معها في غرفة فوق السطوح ؛ تقاسمه كل ما تحصل عليه من خدمة البيوت طوال فترة دراسته والتي توجت بحصوله على الليسانس في الحقوق وولوجه سلك المحاماة ؛ وعند أول قضية تكلف بالمرافعة فيها طلقها ؛ كان دورها قد انتهى ببداية دوره  ليطوي معها صفحة من أيامه  لم يخطر معها بذهنه بعدها أن يتساءل مالذي قد يكون حل بها …

ابتلعته الأيام في دوامتها ؛ وتوالت نجاحاته ولم تطالعه قط صورتها يوما في خلده  كأنها لم تكن يوما…

 ظل عقله يهرول بعيدا ؛ لم تكن سوى  خطوة قادته إلى ما هو عليه

إلى أن أتى هذا اليوم وهو يسوق كعادته بسرعة ليلتحق بالمحكمة كلف مساعده أن يتولى إلى حين حضوره قضية  يتوقع أن تجلب له  الكثير من الربح إن نجح في كسبها  ؛ كان يعلم مسبقا أنها في متناوله أولاد يرفعون قضية للحجر على والدهم …

 القضية بسيطة وأتعابها مغرية ؛  هاتفه يرن وفي محاولة منه للرد تنحرف السيارة قليلا فتنثرها شاحنة على الرصيف الترابي الصوت في الطرف الآخر لمساعده وهو يردد

-رابحة رابحة القضية رابحة

تمت

عائشة بناني – مدينة سلا

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :