سعيدة أفل تكتب: زيارة عجوز

19 أكتوبر 2020
 
درب الطيب آنذاك ، دربٌ لا يطأُ أرضه غير البسطاء من الناسِ ، رؤوس أموالهم ، كرامتهم ، بساطتهم ، و بعض ما يملكون من أنعامٍ من ماعز و أغنام ، أناسٌ ما عرفتْ و ما ضمرتْ قلوبهم غير الخيرِ لبعضهم ، أناسٌ يُعسكرون في وجه الدهر المدجَّجِ بما لا نُطيق له نحن أبناء اليوم صبراً ، ذواتُ و ذو وجوهٍ بشوشةٍ هُمْ ، يكسبون قوت يومهم ، و لا يُفكرون في غدِهمْ ، فقد كان إيمانهم بالربِّ أقوى من اليأس و من انتظار الحلْوِ من الأيامِ .
وراء هذا الباب عاش أناسٌ من طبقة النبلاء في الصدقِ ، من خِيرةِ الرجال و النساء في الوفاء ، ممن ثُبِّتَ الإيمان بالله في قلوبهم ، لا غرضَ لهم في التباهي و لا التفاخر ، ثيابهم جميلةٌ أنيقةٌ ، فأناقتهم الروحية ما تلبثُ تنعكس على مظهرهم فيتبدون لك ، بثيابهم الرثَّةِ جميلين بسيطين ، لا همَّكَ و اللهِ ، غيرُ طُهرِهمُ الروحيُّ الأنيقُ ، الذي غاب عن زماننا الذي أضحى الناس فيه أنيقين خارجاً ، و رثِّي الباطنِ، و ما قضى البعضُ على أنه رُقِيٌّ و حياةٌ من الرفاهية ، لا أراه غير رقٍّ و عبودية في ثيابٍ أنيقةٍ ، و لو كانت أناقتهم بأناقة ثيابهم ، لهيهاتٌ و هيهاتٌ على أخلاقنا و قيمنا .
في هاته الدروب قضينا معظم طفولتنا ، و بين جدرانها سمعنا ما شاء الله أن نسمع من قصص أجدادنا ، و يشهد الله أنه ما زال للبعض منها تأثيرٌ علينا حدَّ الساعةِ .
لزيارتي لكِ، الفضلُ أيتها العجوز الفاضلةُ أنْ عدْتُ إلى هذا المكانِ. مكانٌ لا فيه من الجدرانِ و الأحجار ما فيه من الذكريات و من المشاعر. تمنيتُ لوهلةٍ لو تركني الزمنُ هناك ، أعيش و لو لحظةً من تلك اللحظات ، أنْفَكُّ أثناءها من أغلالِ الهموم المعلقةِ في عنقي .
 
سعيدة أفل – مدينة تارودانت

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :