ميمون ايت وعريم يكتب: السلوك الإجرامي .. أزمة أخلاق أم نزعة إنسانية

19 أكتوبر 2020
 
مقدمة
لايكاد يمر يوم إلا ونقرأ أو نسمع أو نشاهد خبرا عن جريمة قتل أو اغتصاب أو سرقة أو امتناع عن القيام بواجب أو عمل مهني يأمر به القانون …إلخ . حيث أصبح من الأشياء المستحيلة في عصرنا الحالي مرور يوم تام تعيشه البشرية في سلام وطمأنينة دون وقوع حادث يكون سبب الإخلال بذلك التوازن .
وباتت الجريمة الاجتماعية في تصاعد مستمر من دون ردع نهائي من قبل ذوو الاختصاص ، حيث يتضح التناقض الذي يحدث في مجتمعاتنا ، إذ أن هناك تنامي التطور في جميع المجالات الثقافية والفكرية والعلمية وبالمقابل تصاعد في نسب الجرائم ؛ ليس فقط الأفعال المجرمة التي تلحق الأذى بالغير (في جسده وكيانه كشخص) ولكن تحدث الجريمة في مفاصل الدولة ذاتها ، من خلال مانشاهده من رشوة ومحسوبية وصفقات مشبوهة سياسية أو اقتصادية ، وربما يعد هذا الأمر العامل الرئيسي لتصاعد نسب الجرائم .
وفي مقابل ماتم التعريج عنه أعلاه لايمكن التغاضي عن مسألة الأخلاق التي باتت مصب جدال واسع في الوقت الراهن وما أضحت تطرحه من إشكالات يوما بعد يوم ، وتصبح بعض القيم ماض لم يعد له وجود ، إذ يبدوا وكأننا في طريقنا نحو *قانون الغاب* الذي سادت فيه الهمجية والمكر والخداع ؛ مما يؤكد مقولة شهيرة لأحد أبرز الفلاسفة الإنجليز خلال القرن السابع عشر وهو _توماس هوبز_ بقوله: ” الإنسان ذئب لأخيه الإنسان ” .
يحدث كل ذلك رغم الحديث الذي ورثناه عن نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وحديث ( إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحسنكم أخلاقا ) ، وهذا يدل على أهمية الأخلاق في المجتمع ومدى تأثيرها على مختلف مناحي الحياة.
 
المطلب الأول : مفهوم وأركان الجريمة وأنواعها والأسباب التي تؤدي إلى ارتكابها وآليات المكافحة
المطلب الثاني : أسباب الأزمة الأخلاقية التي يتخبط فيها المجتمع المغربي ودور ذلك في استفحال الجرائم
 
 
 
 
المطلب الأول : مفهوم وأركان الجريمة وأنواعها والأسباب التي تؤدي إلى ارتكابها وآليات المكافحة
الفقرة الأولى : تحديد مفهوم الجريمة وأركانها .
يتم تعريف الجريمة وفق *الفصل 110 من القانون الجنائي المغربي* بأنها : ” عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه ” .
وبمقتضى هذا التعريف فالجريمة هي انحراف عن المعايير الجماعية والقانونية والدستورية ، يترتب عليه اعتداء على حقوق الآخرين ويقرر القانون له عقوبة معينة . وهو تعريف يقارب تعريف الفقه الجنائي الإسلامي للجريمة بأنها محظور شرعي ” القيام بفعل نهى الشرع عنه ، أو الامتناع عن فعل أمر الشرع به ” .
وللجريمة *ثلاثة أركان أساسية* ، وهي :
*أ* _ *الركن القانوني* : وهو القواعد القانونية التي تحدد طبيعة الجريمة ، وطبيعة العقوبات المترتبة على ارتكاب هذه الجريمة . وهنا تتجلى شرعية القانون الجنائي إذ لاجريمة بدون نص ، كما هو معروف بين الدارسين والباحثين في المجال القانوني بأنه ” لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص ، ولا إجراء بدون قاعدة ولاعقوبة بدون محاكمة ” .
*ب*_ *الركن المادي*: وهو مايترتب على السلوك الإجرامي من اعتداء على حقوق الآخرين ، ويرتكز على ثلاثة عناصر أساسية :
_ الفعل ؛ وهو السلوك الإجرامي
_ النتيجة ؛ هي كل مايترتب على السلوك الإجرامي من ضرر وأذية تلحق بالغير
_ العلاقة السببية ؛ هي الرابط بين السلوك الإجرامي وماينتج عنه من ضرر
*ج*_* الركن المعنوي* : هو صدور السلوك الإجرامي عن إرادة الفرد ( القصد الجنائي ) .
الفقرة الثانية : أنواع الجرائم.
تقسم الجرائم إلى أنواع متعددة طبقا لمعايير متعددة :
أولا _ معيار مدى خطورة الجريمة : تقسم الجريمة طبقا لهذا المعيار إلى ثلاثة أصناف هي ؛ [1] الجناية ؛ وهي أكثر وأشد هذه الأنواع خطورة ، وعقوبتها السجن أو الأعمال الشاقة ، المؤبد أو الإعدام . [2] الجنحة ؛ وهي أقل خطورة من النوع السالف ذكره ، وعقوبتها الحبس أو السجن حسب الأحوال. [3] المخالفة ؛ وهي أقل هذه الأنواع خطورة وأبسطها ، وعقوبتها الحبس من يوم واحد إلى عشرة ، أو غرامة مالية .
ثانيا _ معيار طبيعة الجريمة : تقسم الجريمة طبقا لهذا المعيار إلى جرائم سياسية وجرائم اقتصادية ، جرائم اجتماعية وجرائم جنسية …
ثالثا _ معيار صورة الفعل : تقسم الجريمة طبقا لهذا المعيار إلى : [1] الجريمة الإيجابية ؛ وتكون على صورة فعل يمنعه القانون كجرائم القتل والسرقة … [2] الجريمة السلبية ؛ وتكون على صورة الامتناع عن القيام بفعل يأمر به القانون ، كالامتناع عن القيام بالواجب ، كرفض رجل الإطفاء إخماد النار المشتعلة التي تهدد حياة أحد الأشخاص …[3] الجريمة الآنية ؛ وهي الجريمة التي تتم بنفس وقت ارتكاب الجريمة ، كالقتل الذي يفضي لإزهاق الروح بنفس وقت الجريمة .[4] الجريمة المستمرة ؛ وهي جريمة يطول زمن ارتكابها كجرائم الاختطاف .[5] الجريمة المتعاقبة ؛ وهي الجريمة التي يستمر المجرم بارتكابها كالنصب والاحتيال المتكرر .
الفقرة الثالثة : أسباب الجريمة .
وقد أشار علماء وخبراء السلوك الإجرامي إلى أسباب كثيرة لارتكاب الجرائم ومنها :
_ انعدام أو ضعف الوازع الديني والأخلاق ، نتيجة للتربية غير السليمة .
_ التأثر بالبيئة الاجتماعية الفاسدة .
_ البطالة والظروف الاقتصادية القاسية والحاجة.
_ تعاطي المسكرات والمخدرات .
_ الرغبة في الانتقام والثأر
_ الرغبة في تحقيق كسب سريع دون أي مجهود .
الفقرة الرابعة : آليات مكافحة الجريمة .
وقد اقترح علماء وخبراء السلوك الإجرامي العديد من آليات مكافحة الجريمة والسلوك الإجرامي ومنها :
_ وضع السلطات والهيئات المختصة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني الخطط والبرامج الشاملة التي من شأنها القضاء على العوامل المؤدية إلى الإجرام أو الظروف المهيئة له .
_وضع برامج متنوعة لعلاج ذوي السلوك الإجرامي مثل تحويل الرغبات والميول الخطر عند الإنسان وعلاجها والعمل على الحد من حالات التعرض للإغراءات .
_ المكافحة الرسمية والمجتمعية للمخدرات والخمور وإنشاء مراكز لعلاج وتأهيل المدمنين .
_ العمل الرسمي والمجتمعي على حل المشاكل الاجتماعية كالتفكك الأسري .
_ العمل المشترك للقضاء على المربع المخرب ” الفقر والجهل والمرض والبطالة” .
_ دعم دور الأسرة الرئيسي في مكافحة السلوك الإجرامي ، من خلال التربية السليمة ، من خلال وضع التشريعات التي توفر الحماية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة .
_ تفعيل دور المدرسة في مكافحة السلوك الإجرامي ، من خلال تصميم برامج تعليمية متخصصة .
_ تفعيل دور الإعلام في مجال مكافحة الجريمة والسلوك الإجرامي .
_ تحقيق سيادة القانون ، والمساواة أمام القانون .
_ وضع عقوبات رادعة على الجرائم ذات خطورة على المجتمع ، كترويج المخدرات والاتجار بالبشر …
 
 
ماسبب الأزمة الأخلاقية التي تعصف بالمجتمع ؟ وأي ارتباط لها بالأفعال الإجرامية التي أغرقت المجتمع المغربي في الدماء ؟
 
الأخلاق الحسنة هو أعظم ماتعتز به الأمم وتمتاز عن غيرها ، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها ، وبقدر ماتعلوا أخلاق الأمة تعلوا حضارتها وتلفت الأنظار لها ويتحير أعدائها فيها ، وبقدر ماتنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم ، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره ، وكم ذلت أمة ولكو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق .
 
المطلب الثاني : أسباب الأزمة الأخلاقية التي يتخبط فيها المجتمع المغربي ودور ذلك في استفحال الجرائم
 
لا الأباء أصبحوا أباء ولا الأبناء أمسوا أبناء ، ولا الأخلاق عادت أخلاقا ، جرائم شديدة الغرابة والشذوذ تضرب المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة .
جرائم تحمل في طياتها مؤشر شديد الخطورة على مستقبل هذا المجتمع ، حيث أن انحطاط الأخلاق تظهر تداعياته أول ماتظهر في الأجواء الاجتماعية ، لتزحف بعد ذلك مساحات أكبر ويظهر صداها في دوائر أوسع اقتصادية وسياسية .
_ كيف يفقد الإنسان أخلاقه ؟
هذا السؤال يجدر بنا طرحه على هامش الجرائم الشاذة ، عندما يموت الإحساس داخل الإنسان يفقد أخلاقه ، فلا شيء يظل على طبيعته وفي محله الذي يجب أن يكون فيه ، حيث يتداعى نتيجة الأساس الرخو الذي انبنى عليه ، فالإحساس أصل الأخلاق والرافد الأهم لتغذيتها .
_ ضعف التدين في نفوس المسلمين .
_التصور الخاطئ لشرائع الإسلام وأحكامه وروحه .
_ غياب القدوة الصالحة في كثير من المجالات .
_ طغيان الجانب المادي والاهتمامات الدنيوية في العلاقات والأعمال .
_ قلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تعنى بالجانب الأخلاقي .
_ قلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات .
_ عدم سن أنظمة وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة وتوقيع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية المتجددة .
كل هذه الأسباب وغيرها كانت بمثابة ممهد الطريق أمام الإنسان ليصبح سجين غرائزه باحثا عن اللذة والمتعة بأي وسيلة ، سقوط نحو الهاوية بدون توقف أو ردع ، حيث أضحت النزعة العدوانية سائدة كخطاب داخل المجتمع ، خطاب العنف والدم رائج بكثرة بسبب أو بدونه ، تعبير عن رفض الواقع المعيشي أو الرأي المخالف بسلاح العنف اللفظي والمادي . حتى اعتدنا أن نشاهد جرائم بشعة في واضح النهار وأعقاب الليل .
 
خاتمة
تبقى العلاقة بين القانون والأخلاق علاقة وطيدة ، وإن كان الأول يهم كل فعل قام به الإنسان والأخلاق تنصب حتى على النوايا التي تروج في ذهنه.
فإن الإخلال بإحدى هذه المكونات هو مايعرض حياة الأفراد في المجتمع لخطر محدق ، لذلك وجب الاهتمام بطريقة التربية والتنشئة فهي من أهم العوامل التي تعطينا أناس صالحين لايردخون للسلوكات اللاعقلانية المؤدية للإضرار بالغير أو عكس ذلك ، ووجب القضاء على آفت المخدرات التي تهدد حياة الشباب فتنحرف بهم عن الطريق السوي إلى مستنقع الهلاك .
” لأن ماهو محرم دينا ومنبوذ أخلاقيا لم يكن كذلك إلا وأنه مجرم قانونا ” .
 
________________________________________
د.صبري محمد خليل : الجريمة والسلوك الإجرامي ؛ التعريف والأسباب والنظريات المفسرة وآليات المكافحة
خليد بن سعود البليهد : أزمة الأخلاق في الأمة
د.محمد خليل : الأخلاق ، والنفاق ، والجريمة
سليم بلقاسم : ماسبب الأزمة الأخلاقية التي تعصف بالمجتمع ؟
 
ميمون ايت وعريم – مدينة مولاي بوعزة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :