راضية الطاش تكتب: جدارية عابر

2 نوفمبر 2020
كان غارقا في مخالب الظلمة التي ابتلعت جدران غرفته ثم استولت على احلامه؛ اما بالشرود بعيدا عن الجميع او بقراءة مقالات تافهة ….
لعن ذات يوم وحدته ثم تمرد رفقة خياله الثوري .فتاه جالسا يطل من شرفة معركته ….
كم كان شهما أنذاك يبتسم ويقتنص فراشات مستقبله في حقل الكرز .
اتذكر انني لطخت قميصه في شتاء ديسمبر فضحك وسقط ليتلطخ في التراب كجرو ضائع .
الذكريات اثقلت كاهلي ورحت استنشق هواءا من راحة على شرفة منزلي وكوب القهوة يتربع على عرش أناملي الضائعة بدت لي المدينة كفتاة في العشرينيات تحاول التخلص من قبضة رجل عجوز اصابها بمرض خريفي قاتل …
للحظات يتراءى لي رجل في الثلاثينيات يهرول نحو اللاشيء. توقف لوهلة .يبدو ان شيئا قد طرق ابواب انتباهه وشتت نوافذ عزلته .
بدت له عبارة لعابر مكتوبة بلون قرمزي لعله ناتج ورد احمر اهداها شاب لحبيبته البائسة على جدار اصابته سهام المكسورين . تأملها طويلا كمن يتفحص لوحة لدافنشي في متحف اللوفر . التقطت مسامعي لعناته … كان يلعن العالم لوهلة فقط … لأن الجداريات تحتوي احاسيس طاهرة نابعة من قلب ملائكي لماذا لا تنقل لمتحف وتحفظ ؟! هكذا تساءل ذاك الأحمق في صمت لكنه سرعان ما ايقن ان العالم لايمجد الحقائق . يداعبه الكذب فقط . تأمل الجدارية .لقد كانت تضم قولة سامية تكشف عن قصة حب مجوسية :”*جميلة أنت كأغنية تركية أحببتها ولكني لم أفهمها*؟! .
عبارة مزدوجة رمادية منذ مهدها تبعث على الارتياح وتنتهي بالخيبة عندما تشيخ . هكذا هو الحب …لكم هو راق ذاك الحب الذي يشبهك بأغنية انها اطهر لغة وارقاها .قبل ان تكون انغاما تخترق الزمن وتكسر ابعاده وتخطو بالمكان نحو عالم المثل الافلاطوني الزاهر . بعض الامور يجب الا تعرف .وتكشف . لأنها ..تغدو قيمة عندما تظل سرا وتتلاشى مع الوقت اذا بحنا بها . ابقائها سرا وعدم فهمها هي سر جاذبيتها . الامور الرائعة لا تفهم ياصاح . كل ماهو غامض جذاب وصعب المنال .الاغنية تطربك ثم تنقلك الى الربيع وتشيد جسدك بأزهار من أمل ثم تعيدك للحياة شابا ملطخا بالحرية . كيف لك ان تفهم فالتحولات يلفها الغموض وتكون ابعادها مجهولة الاركان .
لكنها .بدت لي ايضا من وجهة نظر نيتشية انها نغمة تنتهي بذبحة في الجانب الايسر للعاشق لكني لم أفهمها نتيجة تبعث على اليأس .ايتحسر على رحيلها مثلا؟! لأنه استعصى عليه الاحتفاظ بها ام يقصد غير هذا … قصيرة موجزة مختصرة لكنها يافعة فائضة لدرجة ان جدران العالم لن تكفيه للتعبير عن خوالج نفسه . ان الألم ساحل .خليج .بحر غدار يفتك بصاحبه ويرديه قتيلا . عبارة لخصت كل المحن . تأمل الماوراء طياتها وخطوطها المائلة فتناثر للحظات الى زمن الاقحوان الآسر الذي كان يغتال كل الحقول يدفن الأخضر ويطأ عليه بارزا معلنا النصر على الطبيعة . و تذكر كيف كان يخوض حوارا باهتا قاتما يسيل بالتفاهة . اقترب اكثر وتهور في الاقتراب ليتيقن ان العابر اعلن صرخة من جرحه . الخط من دم لا من ورد كما ظن وظننت . حب بريء اغتيل هناك .ثنائية الدفن والبعث كانت تلطخ الجدار . اشعل سيجارته ونفثها بعيدا لكم هو مرهق ان تعيش بلا رفيق.
هاهو المطر يفسد رتابة اليوم ثانية غدوت مبللا بماء النعيم .ما أجمل الرحمة!؟
أخذت حفنة من التراب المبلل وكتبت تعليقا بمحاذاة العبارة :” المجد للسجائر”. عبارة تافهة حقا لكن الكاتب وحده من يعرف المنشود
ربما القاع كان الامل على خلاف مايظنه البعض فيرددون بكل جرأة “القمة لي”.. ان السماء للرب وحده ايها السيد العزيز . نفثت عني غبار الماضي فتناثرت السيجارة وغدت فتاتا. تأملتها في صمت وأكملت طريقي غير مهتم بما رأيت … ترددت على مسامعي كلمات قاتمة تجلت في صورة ساخرة تصرخ قائلة لابد ان كاتب العبارة قد اكمل حياته وغرق في نهر الحياة ثانية و انا اضيع لحظاتي تحسرا على مراهق تجرأ لفترة .
الجداري يرسم حلما يأسا أملا تاريخا يجب ان يظل حيا.
 
راضية الطاش – مدينة الناظور

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

One comment on “راضية الطاش تكتب: جدارية عابر

  1. دائما مبدعة عزيزتي..

: / :