جمال كريم يكتب: والآن آن لي أن لا أئن

31 أكتوبر 2020
 
 
كان جالسا وحيدا كحداد شجرة غادرتها الطيور وقبل أن تلملم شمس الغروب أغراضها تجلت وراء الربوة جلنار بفستان أبيض فضفاض
سألته من بعيد : كم المكااان؟
تلعثم كمحنة الفتى المؤمن مع الأصنام ، وسمع طقطقات أسنانه كأنه في صباح بارد.من شهر آذار
 
المكان نعم المكان يشير إلى أنا إلا ربع ، أنا وغصن زيتون من شجرة مهترئة في شارع العمر لا تكترث بما يفعله السافلان تحتها .
حركت عينيها الحادتين كأنهما شمس شروق بين أغصان عارية تسللت لتقبل البحيرة وردت بجواب متقطع كنحلة مثقلة بالرحيق تحرك مجذفيها بعناء:
ڤالديڤيا سألتك المكان ، أين أنت .أنا أعرف أنك أخذت المكان وغادرت وأخذت الزمن ولم تغادر
1
_____________________________________________
 
لاحت في أفقه ذكريات كنقوش حجرية عصية على النسيان .
جلنار اسمعي: سيمر الزمن مرور قطار ذو اتجاه واحد لا تعنيه المحطات . سيصبح وجهك كلوحة تجاعيد رسمت بدون جرار أومحراث ستنسين ويمر كل مر
فجأة دخلت عليهما زكية بمشط ذو مقبض فضي وكيس نقود .وجد دخولها فرصة للهروب من نحيب جلنار ،فتح الكيس فوجد بضعة أوراق مالية مزورة قهقه غارقا في الضحك
قال لها يا زكية من يراك تحملين حقيبة ذهبية وتتحركين برشاقة كرياح عديمة الحياء تداعب شعر النساء يظن إنك مليونيرة ..
2
_____________________________________________
ضحكتا بشراهة ،وبدت جلنار كفزاعة تؤنس الحقل بعد غارة المناجل،وغادرت زكية المجلس ببطء كشمس تستحم في البركة قبل غروبها.
 
ها قد أطلق العنان لحوار يغلي على صفيح ساخن ,مالبث ڤالديڤيا قليلا حتى سمعها تغمغم مسترسلة “وغد” فقرأ في أرنبة أنفها نذيرا زاحفا مهددا بالخراب
 
قالت دون أن تلتفت إليه كأنما تخاطب المرايا المنكسرة
 
_يوم شاق على الربوة
 
سألها دونما رحمة كمحراث يدفن الأوراق والحبوب ذهابا وإيابا
 
_ ألن تدع هذا اليوم يمر بخير
 
شعرت بإلحاحه و همست بلطف وهي تداعب شعرها الذي تبين فيه الخيط الأبيض من الأسود
 
_ألا تراني أنني ألطف من قطر الندى ولكن يبدو أني لا أعجبك يا ابن فاطمة ..
3
_____________________________________________
رفع رأسه ولمح وجهها مكسو بتجاعيد كشقوق تهدد البنيان بالهدم ._هو يحبها لكنه لا يعرف لماذا أضحى يتهرب منها ربما كثرة نحيبها، ربما ميزاجها المتقلب ككثبان رملية تعشق الترحال كلما هبت ريح تغيرت وجهتها ، أو ربما شيخوخة وجهها المبكر رغم أنها في ربيعها الثالث والعشرين._
أراد أن يخرجها من قوقعة حزنها كما تخرج شمس شباط البراعم من سباتها . و قال بصوت يكاد يسمع
أنا أعرف أنك ألطف من قطر الندى.لكن يا جلنار أنا غير صالح للحب
تنهدت ورفعت يديها وكأنها زهرة لوز تقدم مأدبة عشاء للنحل ،اسمع يا كريم أو يا ڤالدي كما يحلو لك أن أناديك
وللناس فيما تعشق مذاهب ، وأنا عشقتك وأنت مذهبي
4
_____________________________________________
أطبقت شفتيها و طأطأت رأسها و تجلت في وجنتيها حمرة كحبتي كرز ، لكنها أفاقت من أحلام يقظتها على صوته الفخم المفعم بالعصبية
جلنار ارجوك احذفي من مخيلتك فكرة ارتباطنا فهذا لن يقع
تمسكت بأملها الضئيل المشابه لتلك النافذة الصغيرة، التي مهما صغر حجمها، إلا أنها تفتح أفاقاً واسعة في الحياة.
وقالت : ربما سأنساك . إذا صفق الأصم اعجابا بصوت الابكم
لم يجد حلا لعنادها كان كلامها كالصخرة التي وضع على صدر بلال في بطحاء مكة. لكنه كان يرى فيه شيئا من التمسك . وعلى حين غفلة سمع صوتا عذبا رنانا آخاذا للأباب ،عرف أنه صوت الاستاذ حسن الرماني وهو يرفع آذان صلاة المغرب ، تنهد وكأن أبا بكر أزال عنه الصخرة وحرره ورفع سجادته الخضراء الخالية من الزركشة وذهب مهرولا نحو المسجد .
 
جمال كريم – قرية مولاي بوعزة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :