حسن بوازكارن يكتب: هياكل فارغة

3 يونيو 2021
 
بعينين سيأكلهما الدود رأيته يمشي بين الناس في السوق العتيق، يتجول وسط البلدة دون أن يحدث ضجة، لا أحد انتبه لوجوده المشوه. رأيته في ركح المسرح الفسيح ينسج حكايات جديدة وفي الكواليس المظلمة يعجن العجين ويخبزه على المقاس فيصبح خبزا فاسدا لأنه ابن العتمة. رأيته بطلا من أبطال عصرنا الأسود، تلوكه الأشداق في الأصباح والأماسي المشحونة بكهرباء الغيرة، حشود تعارضه هنا وهناك، وفي عوالم أخرى زرعوا له ألغاما في مساحات شاسعة لا يحدها البصر. وفي الواقع يمشي بين أعينهم ولا يروه بل يرونه بعيون من بلاستيك.



 
هياكل تجابه هياكل وتتوعدها بالزوال، والزوال مصير كل الذوات والهياكل الفارغة، والكائنات الخبيثة والجميلة.
 
عالق في خيوط العنكبوت أصارع في كل الجبهات حشرات عالقة مثلي، اختلفنا في كل شيء وجمعنا هذا الخيط اللعين، عنكبوت لعين، هرِم، جلس ينظر إلينا ويقهقه ساخرا من وضعنا الذي يثير الشفقة.
 
بخطى واثقة يخطو نحونا ونحن لزلنا نقذف بعضنا البعض بالكلام السوقي الجارح، وببصاق جاف، وننصب مكائد لبعضنا البعض بخيوط أوهن من خيط الوهم، الوهم المشترك بيننا الذي جعلنا نقع جميعا في نفس الشراك، وليس فينا ناجي واحد.
 
بخطى متثاقلة يتقدم، أو يتقهقر، من يدري فلا أحد يعرف رأسه من مؤخرته، الأهم أن رغبته في زهق الأرواح العالقة بخيوطه المتينة والتي كبلت عالم بأكمله و بما احتواه من أناس برغبات وأحلام وأماني كثيرة، جثم على الجميع كشبح خرافي لا مرئي مارد، يمتص الدماء ويترك الهيكل عالقا في السماء، فارغا من الحياة، لا هو مدفون تحث الأرض ولا هو مرفوع إلى السماء كما ترفع روحه وتتسامى بعد الموت بقليل، نوع من العذاب الخالد الذي لا ينتهي بموت الضحية بل تستمر جثته عالقة أمام أنظار العامة لتذكرهم بأن مصيرهم واحد.



وحش أسطوري نشب أظفاره في الأرض والسماء وما بينهما، وأسنانه الحادة مكشوفة مستعدة لقطع رؤوس من استقام رافعا رأسه بشكل طبيعي إلى الأعلى، وكان التقليد أن يطأطئ الجميع رؤوسهم حفاظا عليها من مقص الجلاد الذي سيفصلها عن الجسد بلا رأفة.
 
هوايته هي لعب الشطرنج بكراكيز مطيعة، يغير أمكنتها بتحريك رموشه فقط دون ان ينبس ببنت شفة.
 
في الكواليس المعتمة محاولات يائسة في الإيقاع به، والتخلص منه، وهو أمر يعتقد الجميع أنه يدخل في خانة المستحيلات. خُططُ كثيرة ومفصّلة، واجتماعات في الهزيع الأخير من ليالي العمر الطويلة.
 
زمن كثير ضاع، وفرص كثيرة فاتت، والكراكيز هنا وهناك يزمرون لإرضاء شهوات عنكبوت ماكر، وحين يعطشون يرتشفون عرق بعضهم البعض، ويحرثون الفراغ، ويحصدون العدم.
 
عالق في خيط العنكبوت منتظرا الخلاص والمعنى الذي فقدته في مساري نحو التحرر من لباسي القديم. الحفر الغائرة في طريقي كجروح في جسد محارب تحتاج الضمادات إلى أن تندمل ليعود إلى قوته الأثيرة ويلملم نكساته ويقوم متقدما إلى الأمام.
 
هنا الحفر تزداد عمقا في دواخلنا نحن العالقون في شراك لا أمل من النجاة منه، ولا ننتظر طوق نجاة، بل ننتظر سقوط بعضنا البعض لننفجر ضحكا حتى تبقَرَ بطوننا…
 
هنا الجروح لا تندمل
هنا وهناك تفاصيل مشتركة.
بحثوا عن وجه العنكبوت، ووجدوا وجوهه متعددة وجذوره فاسدة فحتاروا في أي الوجوه يجوز البصاق عليها، وأيها تستحق الدعس بالأقدام وأي الجذور يسهُلُ إقتلاعها.
لا أسنان له، فقط تصورا لو توفر عليها…فقط تصورا.
إذن لا يعض؟ لكنه يبتلع…
السهام خطت لنفسها مسارا واحدا، وهتفت الأفواه، ورقصت الأجساد بنشوة الفرح…
وأنا أجري بكل ما أوتيت من قوة، أجري لأفر بجسدي، بهيكلي الفارغ ، أتعثر وأقوم بعزم ظاهر واستمر في الجري متطلعا إلى المدى البعيد، البعيد…
قفزت خارج تلك الهواجس المعذبة للروح، لأجد هيكلي العظمي لا لحم فيه ولا حياة، وفي زحمة أفكاري وضجيج هواجسي تذكرت أنني كنت في متاهات حلم غريب_ خلال قيلولتي القصيرة_.
 
حسن بوازكارن – أولوز



اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :