محمد الهشامي يكتب: النهضة بالتعليم !

21 أغسطس 2019

    تحتفل فئة شباب العالم في 12 غشت/ أغسطس من كل سنة، باليوم العالمي للشباب “international YouthDay”. وحسب المعطيات المتوفرة لدى هيأة الأمم المتحدة، فعدد الشباب عبر أرجاء العالم يبلغ 1.8 مليار، تتراوح أعمار هؤلاء بين 10 و24 سنة. رقم يدل على أن بنية الشباب -المكونة للمجتمع- جد واسعة. رقم يضعنا من زاوية أخرى أمام مجموعة من الإيجابيات، كون العالم يتوفر على هيكلة شبابية ستساهم في تغييره بما يتماشى وتحولات العصر. كما يضعنا أمام سلبيات مرتبطة بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية لكل بلد، إلى جانب المعيقات التي تحول دون تحقيقها لهذه الفئة. مع الإشارة إلى أن هذه المعيقات تزيد رقعة اتساعها كلما انتقلنا إلى البلدان السائرة في طور النمو، وهكذا إلى البلدان غير النامية والمتأخرة في سلم التنمية البشرية والمستدامة.

    وضمن الإحصائيات المقدمة من طرف هيأة الأمم المتحدة، أرقام تؤكد على أن نصف عدد من هم بين عمر 6 سنوات و 14 سنة يفتقدون لمهارة القراءة والكتابة، على الرغم من أن معظمهم يتلقى تعليما في المدارس!

    بخصوص شباب المغرب وككل مناسبة نعيد طرح عدة أسئلة مرتبطة بقضايا الشباب، ماذا أعدت الحكومة من خلال السياسات العمومية الشبابية لهذه الفئة؟ وما هي النتائج التي حققتها الرؤية الإستراتيجية للشباب؟ وكيف يمكن للتعليم المساهمة في تحقيق نهضة حقيقية داخل البلاد مقارنة بباقي الدول المتقدمة؟

    موضوع اليوم العالمي للشباب لسنة 2019 جاء بعنوان: “النهضة بالتعليم/ Transforming education “. فضمان التعليم المنصف والجيد؛ والشامل لفئة الشباب سيشكل ركيزة رئيسية للنهوض بالتعليم، والأهم خلق تقدم ونهضة شبابية. باعتبار التعليم قنطرة عبور لتحقيق مجموعة من الأهداف داخل المجتمع، بحيث يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي وتقدم المجتمعات وتطويرها، وتحقيق التنمية المستدامة.

    لقد أولت الوثيقة الدستورية أهمية بالغة لفئة الشباب، بحيث نص الفصل 33 بصريح العبارة على أن السلطات العمومية ملزمة باتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق:

  • توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد؛
  • مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني؛
  • تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات.

   كما نص الفصل 32 من الدستور في فقرته الرابعة على “أن التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة.” بالتالي فالدولة ملزمة بتوفير التعليم كحق من حقوق الطفل، إلى جانب الأسرة كمؤسسة مسئولة بدرجة أولى. ليس توفير التعليم وفقط، بل جعله إلزاميا في مرحلة الابتدائي وكذلك مرحلة الإعدادي والثانوي، كما أوصى بذلك المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030.

    ومن بين المبادئ الموجهة التي ركزت عليها الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030: اعتبار الإنفاق على المدرسة استثمارا في تأهيل الإمكان البشري وتنمية البلاد؛ استمرار الدولة في تحمل القسط الأوفر من التمويل مع تنويع مصادره؛ ثم ضمان مجانية التعليم الإلزامي باعتباره واجبا على الدولة؛ مع التأكيد على عدم حرمان أي أحد من متابعة الدراسة بعد التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة، إذا ما استوفى الكفايات والمكتسبات اللازمة.

     شعار سنة 2019 النهضة بالتعليم، وضمان حق التعليم للجميع، سيمكن هذه الفئة من المشاركة بشكل موسع في صناعة القرار عبر السياسات العمومية حسب كل بلد. والقدرة على التفاعل مع جل القضايا المطروحة آنيا، وبمستويات جد عالية. خاصة تلك التي تخص الشباب كشريحة عريضة داخل المجتمعات. بحيث لا يمكن تحقيق التقدم والتنمية دون الالتفات لها كرأسمال بشري.

     النهوض بالتعليم، أو تحقيق النهضة من خلال التعليم وضمانه للجميع من أجل الارتقاء وتحقيق الجودة، يبقى من بين التحديات الكبرى التي يصعب الوصول إليها في مشهد سياسي يتسم بالصراعات الضيقة، وكذلك في ظل غياب نخبة مثقفة مجتمعية، هيمنت عليها الطبقة السياسية بشكل كبير. ولعل أبرز المشاهد التي تؤكد الرجة الواقعة في المشهد المغربي، والتي يستحيل معها بلوغ النهضة بالتعليم، ما شهده من نقاش مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي. بحيث تم تحوير النقاش حول المشروع إلى مواضيع ثانوية. وجعله قضية سياسية للتجاذبات الإيديولوجية بين الأحزاب.

   تشكل فئة الشباب، شريحة عريضة داخل المجتمع، وطبقة داخل كل الطبقات. والتعامل معها بانتهازية من طرف الفواعل السياسية والمدنية، يشكل أكبر عائق أمام تحقيق نهضة شاملة، قوامها رأسمال بشري لا مادي. في المقابل فالتنمية الذاتية أضحت ملزمة للجميع، بالقدر الذي يؤمن الحد الأدني للشباب معرفة القضايا المرتبطة بالساحة، والمساهمة في الدفاع عن القضايا المرتبطة بالتعليم، تحقيقا للأمن التعليمي محليا ودوليا.

 

محمد الهشامي

باحث في المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية

مدينة الرباط

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :