زينب جليد تكتب: قتلت حبيبتي

7 أكتوبر 2020
كان كله أمل على أن توافق عليه وتحدثه، كان ينتظر والدقائق لديه ساعات والساعات تمر كأنها أعوام، وبعد شهور مضت بدأ أمله الذي يجدده كل صباح ويعيد الروح به كل مساء يتلاشى شيئاً فشيئا على أن يتلقى ردا منها.
في ليلة ممطرة وهو ممدد على سريره وشارد بذهنه في النظر إلى سقف غرفته، كسر شروده صوت رسالة أتت لهاتفه معلنة عن إطلاق سراحه تخبره بالإيجاب، وماكان سوى أن يتحول صوت المطر لموسيقى حملته حتى لامست روحه السماء؛ أعاد قراءة رسالتها مرات عديدة بعدم التصديق، لم يعد هناك شك هذا رقمها وهذه طريقة كلامها وهذه رسالتها، وهذا هاتفي أنا.. بات يرددها كالأحمق، والساكن الذي كان مستلقي قبل قليل أصبح كالفراش يجول الغرفة هنا وهناك. وبعد دقائق قليلة استجمع فيها الكلمات أرسل لها جملة هي الأخرى كانت بانتظارها قائلا بها:_ صوت المطر وكلماتك نغمة اهتز لها الكيان.
لم تمر ثواني وإذا به يتلقى ردها قائلة:
_ انتبه أن تحول صوت المطر هذا لصوت رصاص، يقتل هذا الكيان. انتبه أن تحول النغمات إلى آهات. فاجئه الرد، ولم يبث هنيهة وأرسل:
_ لا تخافي من قلب أحبك، لا تخافي مني يا صغيرتي.
مرت ثواني حتى أعلن هاتفه صوت وصول رسالة منها قائلة:
_ إذن إياك أن توهم صغيرتك بكعك أنت تجهل كيفية صنعه، إياك أن تعد بحثا أنت جاهل بأجوبته، إياك أن تكون من الإختيارات التي كتبت مسبقا، إياك أن تخذل صغيرتك، إياك أن تذرف دمعها دماً، إياك أن تكون لها السند وعندما تأتي للإتكاء عليك تهوي أنت بالسقوط.
صدمه محتوى الرسالة، يقرأ وكأنه يتجاهل حروفها، بدأ يبحث في جعبته مايملك من كلمات تنقذه من هذا الإعصار من الحروف التي أرسلت له، بحث وبحث عن حرف يتناسب معها، عن كلمة واحدة تنقذه الليلة، وكأنه كان يشك بأنه سيفعل ما قالته ولم يجد شيئا سوى كلمة حسنا، أرسلها وبات خائفاً من رسالة أخرى، لكن هي أراحته وأعادت له انتظام نبضه بردها تصبح على خير.
باتت رسائلهما معاً، تتشكل عن سؤالهما لبعض عن الحال والأحوال. وهكذا مر الحال بين الأيام والشهور والليالي ومع تغيرهما، تتغير مشاعرها تجاهه ومن صغرها، يكبر هو في قلبها.
لكن في بعض الأحيان رغم صدق المشاعر، تكون هناك تساؤلات تشغل بال المرء وتترك العقل لا ينام من الشك والقلب ينهش بالتفكير. هكذا هي فبدأت تستغرب من هذا وذاك. وتطرح تساؤل من هنا وهناك. وترتب جمل بين الحين والآخر لتحصل على إجابات. إجابات تشفي غليلها وتطفئ النار التي أشعلها الشيطان بها. في بحثها عن أجوبة لأسئلة تجهلها تجد أشياء تثير أعصابها وكيف لا وهي لا تعلم عنه الكثير، وتتوتر علاقتهما بعدها.
مر شهر واتبعه الآخر، وهكذا دواليك حتى مرت شهور عدة، وحكايتهما كأنها تروى من قِبَلِ جدة. حتى أتى يوم ليلتقيا صدفة؛ ألقيا التحية وسألا عن الحال بنية. إلا أن سأل الطفل مقاطعاً:_ ألن نذهب يا أبي؟!. ورد هو بتوتر انتظر يا بني. بينما تجمدت هي، وفقدت حواسها، وبكل كبرياء قالت نلتقي في فرصة ثانية. وذهبت بعدما قبلت ابنه بكل حنية.
وبعدها انقطعت أخبارها، كافح أن يصل لها، لكي يخبرها بحقيقة أمره وأن الإبن ليس هو أبيه. لكن عندما تتضح الصورة ويتبين ماكان مختبئ، وتتضح الحقائق لافائدة حينئذ من التبريرات أو العدول عن التصورات. استسلم فما وقع وقع، وعلى المرء دائما أن يتوقع اللامتوقع. توالت الأيام، إلى أن أتت الليلة نفسها لكن هذه الليلة المطر ليست به موسيقى، بل صخب وبرق ورعد، كأنه يريد أن يُظهر سخطه من المرء الكاذب والغادر. من الشخص المنافق والماكر. أخذ هاتفه متصفحاً إحدى مواقع التواصل المشهورة فايس بوك، الذي دخل إلى حياة كل فرد بدون سابق إنذار، وفعل ماتفعله العنكبوت في ركن كل دار. وهكذا، هكذا من منشور إلى آخر، حتى توقفت يمناه عن صورة سوداء تتخللها كتابة بيضاء إنا لله وإنا إليه راجعون. رق قلبه من ومتى وكيف ولماذا؟!. وفضول لن يصمت سوى بأجوبة يقينية، دخل متسللا لتعليقات ومنشورات من نفس الصنف تعالت أصواتها كتابة عن فتاة لم تدخل في كآبة، بل قاومت ككل مرة لكن هذه المرة كوفئت بسكتة قلبية مفاجئة للكل. خرج مهرولاً إن وصل إلى رأس حارته ووقف عنوة، فالقدمان استقالت من مهمتها. وصادف صديقه لحظة رؤيته أردف مسرعاً هل وصلتك الأخبار؟!. رحمها الله كانت تحبك.
وما كان رده سوى قتلت حبيبتي.
 
زينب جليد – مدينة تارودانت

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :