محمد حمداوي  يكتب: ظلام الفجر و نور المساء

29 أكتوبر 2020

المشهد الأول : قبيل الفجر نزلت من السيارة متجهة نحونا و هي تتمايل كعادتها، مرت بجانبنا دون أن تلتفت حتى، إنها فتاة في مقتبل العمر، تعمل ليلا لتنام نهاره، هذه المرة تناولت من الخمر ما أنساها منزلها فأحياء الفقراء تتشابه أزقتهم، أردت مساعدتها رفقة الحارس الليلي، و ما إن وصلنا إليها حتى سقطت أرضا فارتطم رأسها بالرصيف الإسمنتي، كانت تبكي ضحكا و هي تقول :”مشاو فلوسي” لقد تعرضت لإهانة مزدوجة، للضرب المبرح الذي تبدو علامته على ملامح وجهها، و لعدم حصولها على المبلغ المتفق عليه سلفا.

المشهد الثاني : بعدما أدى فريضة صلاة العشاء، خرج الرجل التقي الورع و على كتفيه سجادة زرقاء لونها، مرتديا جلبابه  الأبيض و بلغته الصفراء، مر بجانبنا ففاحت منه رائحة العطر الإماراتي، ألقى علينا تحية السلام و استقل سيارته الفارهة، فألقى للحارس بدراهم معدودة.

المشهد الثالث : لأول مرة يصلَّى الفجر دون مرور صاحبتنا قبله، سألت الحارس عن سبب تخلفها هذه المرة فمعظم أخبار الحي تستقى من الحارس أو البقال، فقال أن سيارة إسعاف أقلتها منتصف الليل في حالة حرجة و أن سقوطها البارحة نتج عنه ارتجاج في المخ و نسبة شفائها ضئيلة.

المشهد الرابع : حضر رجال الشرطة للوقوف على حيثيات الحادث الذي أدى إلى وفاة الفتاة “نعم” لقد توفيت قبيل الفجر الذي سألت الحارس عنها، و لأننا عايننا الحادثة فقد تم أخذنا إلى مخفر الشرطة للإدلاء بشهادتنا، بعد أخذ أقوالنا سألنا أحدهم عن إسم رجل يقطن بالحي المجاور لنا، فهو كان صاحب السيارة التي نزلت منها الفتاة فجر الحادث.

المشهد الأخير : أخرج الشرطي صورة للمتهم فعرضها علينا بغية التعرف عليه، فإذا به الرجل التقي الورع، و ما السيارة التي نزلت منها إلا سيارته، حينها اكتشفنا أن نور المساء هو سبب ظلام الفجر.

المشهد بعد الأخير : بعد مرور شهر عن الواقعة توقف أمامي بسيارته السوداء، فنزلت منها فتاة عشرينية خارت قواها من فرط شرب الكحول، حمدا لله أن رأسها لم يرتطم بالرصيف هذه المرة فأنا لا أحب المخفر و طريقه، فأكملت الحراسة التي بدأتها قبل شهر بعد سجن الحارس إثر اتهامه بقتل الفتاة.

محمد حمداوي – مدينة الراشيدية

طالب باحب في علوم التربية وعلم النفس الاجتماعي.‎

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :