لطيفة محفوظ كامل تكتب: الأمل نبتة

16 ديسمبر 2019

كنت مارة بسيارة تاكسي صغير بأحد شوارع مدينة الدار البيضاء، لم أستطع ركوب الأتوبيس رغم قلة تكلفتها، كنت امر بمزاج سيء ولا يحتمل ولم تكن نفسي لتحتمل مزيدا من الأسى، نظرا للبؤس الذي يمكن ان تلاحظه في حافلات من حافلات مدينة الدار البيضاء، لم استطع تحمل نظرات أولئك المتسولين سواء الاصحاء منهم أو الأقوياء…ولم اكن لأستطيع إرضاءهم جميعا بدرهم أو درهمين… كنت أتفادى الركوب في الحافلة عندما يكون مزاجي سيئا… حتى لا اضطر لرؤية كل تلك النماذج الغريبة والعجيبة والمثيرة للشفقة تارة وللاشمئزاز والمقت تارة أخرى وحتى لا أقابل نماذج “تسد النفس “على حد قول اخواننا المصريين .فارتأيت يومها منح نفسي قليلا من الراحة في خضم كل تلك الزوابع التي تخوضها…كنت احس بنفسي فاقدة للأمل و فاقدة لرؤيا واضحة عن ما يحمله لي المستقبل٬ فبعد ان عشت ماض مليء بالاسى والحزن، ها أنا ذا اغض في نوم عميق من الكآبة اداري على ما بقي لي من نور حتى لا ينطفآ.

توقفت السيارة طوعا منها لإشارة المرور الحمراء، رفعت راسي ورأيت رجلا كهلا اسود البشرة يطل من مكان عمله٬ فكرت “ربما هو حداد” ٬ نظرا لبزته المتسخة التي يعتريها السواد ولمكان عمله الذي يشبه خردة سوداء مليئة بالأدوات٬ كان الباب نصف مفتوح فامكنني رؤيته وهو يتوضأ، وعندما أنهى وضوئه،  لفت انتباهي عمل قام به، كان قد نبتت بجانب الباب نبتة صغيرة مهملة ومهمشة٬ فقام بسقيها بالماء المتبقي، فكرت بيني وبين نفسي “لو أني مكان هذا الرجل هل كنت سأسقي تلك النبتة المهمشة؟ ربما لن أعيرها اهتماما نهائيا، ولن ألاحظ وجودها حتى…لكن ذلك الرجل قام برعايتها وسقيها بالماء المتبقي بدلا من اضاعته فقط في أي مكان على الأرض…”

هل كان ذلك إشارة بان الرب لا ينسى عبده الضعيف؟ وان الخير موجود بكثرة كما هو حال الشر أيضا…ألم تكن النبتة المهمشة جافة وبائسة وأرسل الله لها شخصا ليسقيها ويغمرها برحمته؟ أليست رحمة الله واسعة؟ وفي خضم كل تلك التساؤلات، حاولت فهم تصرفاتنا وسلوكياتنا وتساءلت حول تركنا لكل هدا البؤس واليأس ليدخل حياتنا ويفسدها؟ لماذا نعقد الامور؟ لماذا لا نأخذ الحياة ببساطة مثل هذا الرجل تماما؟ لماذا لا نبتهج ونزهر وننمو بشكل طبيعي مثل تلك النبتة؟ ولماذا لا نتسلح بالأمل والرضا وبعض القناعة أيضا؟ فأكيد ان ذلك الرجل راض عن حاله، واكيد انه اتخذ البساطة منهجا في تسيير حياته٬ فرغم الفقر والبؤس البادي على وجهه الا ان بوادر الراحة والرضا تحكم هالته، فهو مازال قادرا على زرع الأمل بيديه… أليس من الحكمة أخذ ذلك الرجل قدوة بذل كل تلك الوجوه المصطنعة والمزيفة والتي تدعي الرقي رغم قلة أدبها…

الحق يقال ان الفقر والبؤس لا يجعلان للشخص السوي مخرجا الا ببيع كل المبادئ التي يؤمن بها بثمن بخس جدا، خاصة وان وُجد في مجتمع لا تحكمه الا المظاهر والعيش الرغد،

وليس الأمر سهلا أبداً على ذوي النفوس الضعيفة المفتقرة للقناعة والثبات. ولو لم تتشبع الروح الطاهرة لذلك الرجل بالإيمان والاعتقاد ان كل شيء بيد الخالق سبحانه٬ لانهار هو أيضا٬ ولبحث عن نفسه في هذه الدنيا٬ كمن يبحت عن ابرة في كومة قش٬ وللعن الدنيا وما فيها حتى يتكون الزبد على أطراف فمه ٬ولرمق من حوله بنظرة غيض وحقد٬ لا لشيء٬ الا لأنه يظن في خوالج نفسه البائسة٬ انهم أحسن حالا منه وانه لا احد على وجه هذه الارض يعيش ما يعيشه من معاناة ومأساة، ولو انه أبصر حال الاخرين لوجد حالهم اشد من حاله واسوء.

 

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :