أيوب الطاهري يكتب : كورونا واستخلاص العبر …

27 أبريل 2020

أضحت عبارة ( فيروس كورونا ) طغيا على حديث وخطابات الناس في مختلف أرجاء العالم، خاصة بعد تنبيه منظمة الصحة العالمية عن خطورة هذا الوباء وسرعة انتقاله وعدواه ، مما جعل دول العالم تتخذ إجراءات احترازية أهمها إغلاق المعابر الحدودية بمختلف أنواعها ، وتوقيف الدراسة والتنقل والمنشآت الصناعية والاقتصادية وفرض واجب الحجر الصحي وارتداء الكمامات … ما نتغيى الاستهداف إليه هنا هو كيف يمكن استخلاص العبر من وباء كورونا ؟ .

في كتابه الموسوم بــ (من نبحث عنه بعيدا يقطن قربنا ) ، يروي عبد الفتاح كيليطو حكمة جميلة تتناص مع عنوان الكتاب مفادها أن ما نمتلكه بقربنا هو الذي نبحث عنه بعيدا من دون جدوى ، بيد أنه لمعرفة ما نبحث عنه يجب مغادرة المكان والتقاط خبر موضعه من مكان آخر ، فهو موجود فعلا ، لكن الخريطة التي تدل على محله الدقيق بعيدة ونائية . جريا على هذا القول وفي ظل وضع كورونا الراهن وضرورة الحاجة إلى الاعتماد على الذات، إذ إن كل دول العالم انغلقت على ذواتها بحثا عن خلاص لذاتها ، يمكن أن نتساءل بعفوية وبراءة كيف يمكن أن تساعدنا هذه الحكمة في استشراف المستقبل وأخذ العبرة من دروس كورونا .
بطبيعة الحال إن ذلك لن يكون إلا من خلال توليد مجموعة من الأسئلة العلمية والفكرية الوجيهة التي قد تساهم في بناء جيل آخر ما بعد كورونا ؛ جيل بإمكانه الاعتماد على ذاته في تدبير أموره و تسيير جوائح حياته، خاصة وأنه كلما تقدم الزمن وتطورت أنماطه وجد الإنسان نفسه أمام مجموعة من الهجمات البيولوجية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية و الإنسانية ، ولعل ما يحدث منذ بداية القرن الواحد والعشرين إلى مشارف نهاية العقد الثاني منه خير دليل على ذلك ، ولا أحد يمكن أن يدعي ماذا سيحدث ، أو كيف سنتعامل مع ما قد يحدث ، بيد أن نعمة العقل والتفكير يمكن من خلالهما على الأقل تجاوز ما يحدث ، ولو بأقل الأضرار.
عودة إلى حكمة كيليطو وكيف يمكن الاستفادة منها ، أي كيف سنسافر لنعود ونجد ما نبحث عنه ؛ فإن ذلك يتمثل ضرورة في السفر العلمي والاكتشاف الحضاري شريطة العودة إلى المكان المُسافر منه بغية إفادته والسعي إلى تحديثه وتطويره ، على اعتبار أن التطور يكون مرافقا للاكتشاف والاكتشاف يكون مرافقا للتطور ، بل إنهما شرطان لا محيد عنهما للنحو أماما ، ومن خلال سفر الاكتشاف و البحث عن سبل التطور والعودة يمكن نقل العدوى إلى أعداد وأجيال أخرى من العقول . أي أننا سنصنع عقولا كنا نبحث عنها ، ولا شك أن ذلك سيتمثل أساسا في عوامل المثاقفة العلمية والمعرفية الحقة و البعثات الطلابية والحد من هجرة الأدمغة .
إننا حينما نطالع أخبار كورونا في العالم ونكتشف وجود طاقات مغربية في مختبرات ومراكز علمية وعالمية تجاري وضع الحد من كورونا، ألا يشعرنا هذا الأمر بنوع من الغرابة والنفور والحرج؟، صحيح أن المشاعر ستختلف حسب كل تمثل وموقف، بيد أن الذي لا يجب إغفاله هو سؤال الموطن الأصلي وحاجته إلى ذلك، أ ليست الشمس تعود إلى مغربها حين تكتشف النهار ؟، أليست الشمس تمتاز بالنور الذي تضفيه على الوجود ؟، لكن في أي وجود ؟.
من إيجابيات كورونا في المغرب ظهور العديد من الابتكارات و الاختراعات الذاتية ؛أجهزة التنفس الاصطناعي ، الكمامات المتعقمة تلقائيا ، ممرات التعقيم الذكية ، إطلاق منصات إلكترونية لتبادل الأفكار … وهي بوادر يمكن من خلال جدتها التفكير في صناعة وتشجيع جيل قادر على السير في نحو الابتكار والاختراع ، مما يعني أن الجائحة أظهرت للمغرب طاقات جبارة يمكن الاعتداد بها وبإمكانها السير على درب العالم المتطور، لكنها مختبئة و منفصلة عن مكانها الحقيقي لأسباب لعل أهمها سياسة التعليم الغامضة، بمعنى أن ما نبحث عنه بعيدا يوجد لدينا ، لكن ذلك لن يظهر إلا حين تعطاه فرص الاهتمام والتشجيع والاشتغال في قضايا الوجود الحيوي، وبعدها ستظهر آفاق البحث العلمي وأهميته وموقعه في مختلف المجالات ، زد على ذلك أن وعي الشعب والتزامه وإحساسه بعواقب الجائحة رهين بمدى تربيته وتعلمه . إن موعد الحصاد مرتبط بمهمة الزراعة .
قراءة الحكايات تلزمنا استخلاص العبر ، كذلك هو الحال مع كوفيد 19 ، فبأي معنى سنستخلص منه العبر ؟ . يا ترى هل ستتغير حياتنا أو ستعود إلى حالها بعد رفع واجب الحجر الصحي ؟ . أم سنحاكي حكاية الملك شهريار وأخيه شاه زمان حينما غادرا القصر بعد تعرضهما للخيانة من زوجتيهما وبادرا إلى السفر حتى ينظرا لأحد جرى له مثلهما ؟ . بالأمس القريب كانت الدولة في مشاكل مع طلبة الطب ، ولم ينته ذلك إلا بعد الاستجابة لمطالب الطلبة واستئناف التكوين ، ومازالت لحد الآن في مشاكل مع الآلاف من نساء ورجال التربية و التعليم ، وفي غرة وباء كورونا ظهرت المكانة الحقيقية لقطاعي التعليم والصحة ، وأنهما وجهان مترابطان لا يمكن التخلي عنهما ، ولا يمكن السير والمواجهة من دونهما في كل الظروف والأحوال ، بعيدا عن سياسة الغموض والتماطل والإلهاء ، فيا ترى هل سيعاد النظر في سياسة تدبيرهما ؟ ، أو ستنجلي الأيام بما مضى أم بأمر فيه تغيير .

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :