فريد الخمال يكتب: هوِّن على قلبك

4 سبتمبر 2019

وقف عقلك غير مستوعب التحول المفاجئ للصديق الحميم إلى وحش مفترس، صرتَ ضحيته. أو لأسمي لك الأشياء بمسمياتها، وأقول أن عقلك القاصر لم يستوعب ظهور الوجه الحقيقي بعدما زالت المساحيق التي أخفته، برز مسوّدًا قاتما، وانتابك امتعاض شديد، أخذت تلوم نفسك وإخلاصَهَا، لأنك لم تعرف للغدر سبيلا، ولم تتخذه موئلا.

أعلنوا العدواة بعدما غدروا، وأصبح صديق الأمس عدّو اليوم. تصديق التحول الماثل أمام ناظريك، أمر صعب ومتعب، تمسح عينيك بشدة، فالمنظر أبعدَ من أن يصدق. اليد التي أنشبت أظفارها نفسها التي حملت الورد من قبلُ، والفم الذي برزت أنيابه، هو الذي اعتلته ابتسامة ظننتَها صادقة، ونسيتَ أن بعضَ الظن إثم.

كانت أحلام[1] محقة عندما قالت: “أننا لم نخطئ إلا في صراحتنا مع الآخرين، كان من الجميل لو تعلمنا شيئا من قانون الصمت وطبقناه على من أحببناهم ! بالفعل، لو أننا كبحنا لساننا حين انطلق يتحدث بكل أريحية، لحظة إحساسنا بأن من نكلمهم يبادلوننا نفس الشعور، وأننا منهم، وهم منا، وأن الحواجز تلاشت.. لكننا أخطأنا… وانكشف الوجه أمامنا، مراتٍ ومرات.. فأنهكنا أنفسنا نبحث له عن تفسيرات وتأويلات لـمَّا كشّر أنيابه. واتهمنا ظننا المريض، المثخن بالذكريات السيئة، وتوقفنا أمام وفائهم الظاهر.

ما بين مصدق ومنكر، تتبدى صورة وتتلاشى أخرى. تنهار صورة، كما تنهار أي قلعة بنيتها على الشاطئ، حسبتها تصلح للسكنى، فأتت موجة اكتسحت القصر، بناؤها من جديد بات مستعصيا، فلا بناية تبنى على أنقاض أخرى، لأن الأنقاض لا تصلح قواعد ثابتة ومتينة. هدمَتْ حسبانك، فانهارت الصورة. كل ما مرّ بات ذكريات موجعة، فأن تتذكرَ وفاءك أمام غدرهم، وإخلاصك أمام مكرهم، أمرٌ يستنزفك تماما، ويهوي بك من شاهق. تهرع إلى أبعدِ نقطة، مبتعدا عنهم قدر المستطاع، وعن كل ما يذكرك بهم، ناجيا بما تبقى من كيانك..

العداوة انطلقت كألسنة نيران سليطة، لم تحسن السيطرة عليها، ولم تقدر على تصويبها، فعَوَضَ أن يذهب العدوان إلى من غدر بك، انهال عليك ! العداوة حين تحتل القلب تضرم فيه النيران، وتتحول إلى ألسنة نيران، تعيث فسادا. انهالت على جسدك، بلا هوادة، واندلعت فيه. صرخْتَ ألما، وتأوهت أياما وشهورا.. قصدت رجلاك، فأقعدتك أرضا. ما أقبح أن يواجه الإنسان نفسه المشحونة بالعداوة والعدوان، وما أفظع أن تعاني من حبيب، أو قريب، انقلب إلى عدو مشهر لسانه في وجهك.

 انكشف الزيف، وبدا واضحا؛ سقط قناع المودة، وزال رداء المحبة، برزت الأنياب المسمومة التي حاولوا أن يغرزوها في لحمك، ونُشبت أظافر لطالما أخفوها وراء قفازات حريرية. لا مجال للتأويلات، والتفسيرات، أفعالهم أصبحت كشمس الظهيرة، ونواياهم معلنة لا يمكن مدارتها بالغربال. يستيقظ الإنسان حينما يفتح أعينه، وإن كانت الشمس فوق رأسه أعواما عديدة.

لم تعِ من قبل لحظة سماعك من أطباء النفس أن القلوب تعتل، وقد تموت. لكنك اليوم؛ بعدما ضعُف قلبك، وبات سقيما على فراش الموت، وقفت على صدق كلامهم فالقلوب تمرض وتموت بفعل الانفعالات الحزينة والقلقة، وليس بفعل الإصابات العضوية.

“الكل سيؤذينا بطريقة ما، علينا فقط أن نجد من يستحق أن نعاني من أجله” لم تأت كلمات برنارد شو عبثا عندما قالها. ها أنت اليوم تعاني، ومع كامل الأسف ممن ينقضون المواثيق ويخونون العهود كل يوم مائة مرة..

[1] . أحلام مستغانميي

 

فريد الخمال

طنجة/المغرب

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :