فاطمة الزهراء نعوم تكتب: “كواليا” هاجر أوحسين، نثر بقلم شعري..

28 نوفمبر 2023

’’أن تؤلف كتابا، أن يقتنيه غريب، في مدينة غريبة، أن يقرأه ليلا، أن يختلج قلبه لسطر يشبه حياته، ذلك هو مجد الكتابة.‘‘

 

كانت هذه الكلمات ولادة فخر يوسف إدريس عندما استشعر تحقيقه للمجد في كتاباته آنذاك ؛ و اليوم بعد 32سنة أستشعر بل نستشعر جميعا هذا المجد الناطق بالحروف في هذه التحفة الصغيرة البهية الماثلة أمامنا، المجد هنا لم يتحقق لهاجر فحسب- باعتبارها كاتبة المؤلف- بل تحقق لنا أيضا كحشد قراءٍ أتيحت لهم فرصة الغوص في عمق هذا المحيط الهادئ و الشرس في نفس الآن.

بدايةً  في السياق الهرمي لتقديم مُؤَلَّفٍ ما فإنه طبعا لا يجوز لا لغة ولا اصطلاحا تقديم الكِتابِ قبل كاَتِبه؛ وقبل حديثنا الذي سيطول طبعا عن الكتاب، سأتشرف بأن أتكلم عن مبدعتِه أولاً؛ صديقتنا وأديبتنا الجميلة هاجر أوحسين؛ التي أخذت الكتاب بقوة في مجالين مختلفين؛ مجالها العلمي و الأدبي. هاجر قبل كل شيء هي من مواليد مدينة مكناس والتي شرَّفتهاَ أحسن تشريف،هي مهندسة طبوغرافية خريجة معهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة. فاعلة و ناشطة  جمعوية لها تأثيرها الخاص. ثم في مَتمِّ الحرفِ هي قلم حيّ يصدح بصوت عذب عال بين السطور؛ فقد تميزت هاجر بمساهماتها الغنية في عدة مجلات و جرائد إلكترونية و ورقية أبرزها كان “بيان اليوم”. صدر للكاتبة  بداية “أضغاث أحلام” سنة 2021 و الذي كان عبارة عن نقطة انطلاق مسيرتها الأدبية؛ كتاب ضم 50 قصة تتراوح بين القصة القصيرة و القصيرة جدا حاولت من خلالِه الكاتبة أن تؤرخ تجربة اجتماعية مُعاشة و مَلحوظة أيضا. لتليه المجموعة المُحتفى بها اليوم “كواليا” كعملٍ ثانٍ .

لعلّ أول ما يشدُّ  أي قارئ كيفما كانت ذائقته لأي  جنس أدبي هو العنوان، و عنواننا المميز هنا كما سبق الذِّكر  كواليا أو ما يفسر بالكيفيات المحسوسة و هي في الأصل الطرق التي تَتَبدى لنا بها الأشياء و  الكيفية التي يُنظَرُ بها في حالة الوعي إلى صفات الأشياء المحاطة بنا من منظور ذاتي  متفرد طبعا : كالإحساس باللون، الشعور بالألم أو المتعة، أو حتى تذوق طعم ما.

كواليا ؛23 نصا تتخللهم رسومات بهية الطلعة و الطبعة من إبداع الفنان محمد الناطقي، تفاوتوا في الكم دون الكيف، في الإسم دون الأسلوب.

23 نصا كُرِّسوا منذ البداية لروح فقيدةٍ عُرِفَت بنضالها الثقافي المُجاهد و التي تركت من الأَثرِ عَميقَه في نفس كاتبتنا هاجر  و في نفس كل كاتبة كذلك؛ لتأسيسها رابطة كاتبات المغرب ككل.

نصوص أقل ما يمكن أن يُقال عن شاعريتها الجياشة أنها  قصائد كُتِبت على بحور الخليل كلها بطريقة عصرية أكثرَ إبداعا و نثرا و تحررا، كلماتٌ و حروفٌ رُصّت لتصف بكل ذاتيةٍ و استثنائيةٍ شعورنا بأن الحياة رغم التعقيدالذي  نُحدِثُه في حبلها السلس إلا أنها بكل بساطة بالمَعنَيين السطحي و العميق بسيطة.

هذا العمل هو ملخصٌ  لثُلة من الأحاسيس المسطرة،والتي أزالت اللثام عن مزيج  خاص بين مكونات لم يكن من السهل التنبؤ بتجانسها، لكنها بفعل الأدب و الإبداع تلاقحت واتسقت في قالب متلاحم وأعطت من الأُكلِ ضِعفَه، لتشبع قارئا و قارئة طَلَبا من الورق كِسرةً يسدان بها رمق النهم الذي  طال بهما من وراء هذه المفردات كلِها  دون جوابٍ شهي واحد متقن!!

RadioMarocCulture Capture D’écran 2023 11 28 À 17.15.51

في تقديم الكتاب جاءت كلمة الكاتب و الزجال المغربي ذ.أحمد لمسيح كالتالي: “ما يجمع نصوص كواليا هي أنها تتطاول بهدوء ورزانة على الحياة المعاندة لجموح الفرد بأحلامه وسدود وأسوار الواقع أمامه…هي إلحاح على القفز على الحواجز بعقل لا بجنون، بل بكواليا.” وبالفعل فنصوص الكتاب لاتغدو كونها محطات متتابعة و متتالية لقطار يعرف مسار سككه جيدا؛ قطار أهلكته مقطورات  الماضي، ففي متاهات الذاكرة الخاصة به  يسود صمت شاعري غريب،يسبِقه تيه و فراغ خفيان يغزوان النفس و الوجدان قبل الجسد، يَعقُبه خوف مبدد  و وحدة فاشلة ربما مُختارة بكل أريحية و حرية، أو ربما هي طلبٌ من مجهولٍ أعطى  الأمر كراهيةً دون أي نية سِلم أو سلام. لتعمّ بعدها الفوضى؛ فوضى الذات، فوضى العقل، ثم فوضى القلب، الفوضى التي مهما اختلف شكلها لا تختلف مغادرتها دون أن تَشُلَّ أعصاب الأحاسيس.

– ما  دور هذه  الذاكرة إذن إن كان عملها الوحيد و الأوحد أن تعيق الذات و تمنعها  من  الرقص على أنغام الحياة المخملية؟

– ما دورها إن لم تهلوس أوهاماً و تنومنا إلهاما ً لتوقظنا بعد ذلك على وقع كلماتٍ لم نعهد لكتابتها وقتا..كلماتٌ كتبت بمشاعر أوَّلية…كتبت ب كواليا…

ختاما بعد أن طال بنا الحديث، قيل في ذات سياقٍ  ما أعذب  الرشفة الأولى من أي شيئ  وياا الله كم كانت الرشفة الأولى ـرغم طولهاـ من كواليا أكثر عذوبة.

فاطمة الزهراء نعوم – مدينة مكناس

كاتبة و قاصة مغربية

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :