حورات مغرب الثقافة – الروائي عبد المجيد سباطة

7 أبريل 2020

ضيف الحلقة الثانية من برنامج “حوارات مغرب الثقافة”: الروائي عبد المجيد سباطة

حاوره: القاص أحمد العكيدي

  • الروائي المبدع عبد المجيد سباطة، روايتك ساعة الصفر الحائزة على جائزة المغرب للكتاب لسنة 2018 صنف “السرد”، أسالت الكثير من المداد. حدثنا قليلا عن هذا المنجز الأدبي المتميز؟

 

“ساعة الصفر” هي روايتي الثانية بعد “خلف جدار العشق” الصادرة عام 2015، استغرق العمل عليها ما يقارب السنتين، بين البحث والتوثيق وجمع المعلومات المرتبطة بموضوع الرواية، قبل الشروع في الكتابة، اخترت موضوع حرب البلقان لما وجدت فيه من نقاط تشابه عديدة مع ما تشهده المنطقة من صراعات يوظف فيها الدين خدمة لأهداف سياسة يدفع الأبرياء ثمنها، وأيضا للأهمية البالغة لدراسة التاريخ في فهم ما يجري في الحاضر وبالتالي استشراف المستقبل، وهو ما جسدته مقولة عبد الرحمن منيف التي افتتحت بها العمل. لاقت الرواية صدى طيبا بين القراء داخل المغرب وخارجه، وأعيد طبعها من جديد، قبل أن يأتي فوزها بجائزة المغرب للكتاب عام 2018 ليمنحها اعترافا إضافيا شجعني على المواصلة، بتأليف رواية جديدة وترجمة أعمال عالمية إلى العربية.

 

  • يربط جل النقاد القيمة الإبداعية للأعمال الأدبية عموما وللرواية خصوصا بالتخيل. في نظرك، هل يمكن أن نتحدث عن عمل أدبي تخيلي صرف أم أن هناك مساحة بينهما تعطي لنص قيمته؟

 

تعجبني في هذا الصدد جملة وردت على لسان إحدى شخصيات رواية “البيت الأخير” لربيع جابر، وافتتحت بها روايتي الجديدة “الملف 42” : الحياة فقط تقلد الروايات…

أعتقد بأن الفصل بين الواقعي والمتخيل في العمل الروائي صعب جدا، ويكاد يشبه الخيط الرقيق الذي يصعب تمييزه، وربما كان هذا الخيط كلمة السر التي أتلاعب بها في أعمالي السردية، كساعة الصفر التي زرعت خلالها شخصيات متخيلة في قلب أحداث تاريخية حقيقية، أو روايتي الأخيرة الملف 42 التي تحول فيها عبد المجيد سباطة إلى شخصية ورقية تتفاعل مع باقي الشخصيات، وفي كلتا الحالتين تكرر السؤال على لسان عدد كبير من القراء : “أين يتوقف الواقع وأين يبدأ الخيال في الروايتين” فكانت إجابتي ابتسامة معناها :”هنا مربط الفرس !”.

 

  • كيف تنظر للحركة النقدية وهل استطاعت مواكبة الحركة الإبداعية في المغرب بمختلف حساسياتها؟

 

قدم المغرب للحركة النقدية الوطنية والعربية أسماء كبيرة ووازنة، واكبت نشأة الرواية المغربية بعد الاستقلال، كما ساهمت في تطويرها، لكن يبدو أن دور النقد الموضوعي قد تراجع بعض الشيء، مفسحا المجال للمحاباة والعلاقات وأحيانا الشخصنة، بما يحول بعض المراجعات النقدية إلى ما يشبه التجارة المرتبطة بمفهوم “من يدفع أكثر” أو حتى تصفية الحسابات الشخصية في المقابل، بما يتجاوز العمل الإبداعي إلى صاحبه، كمن يرفض مثلا دعم أو حتى الاعتراف بالإبداع الشبابي وقدرته على حمل لواء الأدب المغربي مستقبلا. لكنني لست سوداويا إلى هذه الدرجة، وأعلم بأن عددا من النقاد يقاومون طوفان العبث ويواصلون تأدية مهمتهم بكل تفان، بما يفيد الإبداع المغربي بكل تأكيد.

 

  • من خلال تجربتك، ما نوع العراقيل التي تحد من وصول الكتاب عموما والكتاب الأدبي خصوصا إلى عدد كبير من القراء؟

 

عموما، يمكن القول بأن قطاع النشر العربي مازال هاويا، أو خاضعا لأساليب كلاسيكية تغفل الدور الكبير للتسويق، مع مشاكل أخرى مرتبطة بدينامية التوزيع، مع بعض الاستثناءات القليلة بطبيعة الحال. كثيرة هي الأعمال الصادرة التي ظلت حبيسة الرفوف والمخازن، وربما لا يعلم القارئ المهتم بصدورها أو تواجدها بالمكتبات، كما تخلت بعض دور النشر عن مهمتها الرئيسية وتحولت إلى ما يشبه المطابع، التي لا تهمها الجودة بقدر ما يهمها امتصاص دماء الكاتب ومطالبته بدفع مصاريف الطباعة. مع الإشارة هنا إلى أن العلاقة مع الكتاب تظل دون المستوى المأمول، بالنظر لنسب المقروئية وعدد النسخ المباعة من كل كتاب صادر، المشكلة إذن مركبة تتحمل أسبابها عدة أطراف ويدفع ثمنها الجميع.

 

  • علاقة بالسؤال السابق، هل يمكن اعتبار النشر الرقمي حلا لضعف قراءة الكتب في بلداننا العربية؟

 

في نظري، طرح سؤال النشر الرقمي كبديل منذ سنوات طويلة، وبشر الكثيرون بانتهاء عصر الكتاب الورقي، لكن الملاحظ هو إصراره على المقاومة حتى الآن، ربما لوجود دافع غامض يشدنا للورق، رغم المميزات التي توفرها الأعمال الإلكترونية. أعتقد بأن الحل في إعادة بناء علاقة جديدة بين الأجيال الحالية والكتاب الورقي، تجعل منه ضرورة توازي ضروريات الحياة اليومية، ولا بأس في توظيف الوسائط الرقمية بطبيعة الحال، شرط التفريق هنا بين النشر الرقمي القانوني الذي يحفظ حقوق الناشر والكاتب، والقرصنة التي تغتال هذه الحقوق ويعجز كثيرون حتى الآن عن فهم ضررها البالغ على العملية الإبداعية.

 

  • في ظل سيطرة المادة على جل مناحي حياتنا واختفاء قيم جميلة من مجتمعاتنا، هل ما زال هناك أي دور للمثقف ليلعبه لإعادة ترتيب أولويات الدولة والمجتمع؟

 

أعتقد بأن المثقف قد وقع ضحية حرب شعواء شنت عليه لعقود طويلة، إذ جرى تهميش دوره، وتعويضه تدريجيا بجيش من التافهين، تم تقديمهم كنماذج طبيعية للنجاح وفق القيم الاستهلاكية لعصر ما بعد الحداثة، ليجد المثقف نفسه أمام مفترق طرق، إما الدخول طوعا في هذه الدوامة الفتاكة، وبالتالي الخضوع لها، الدوامة التي تقدس الصورة قبل الكلمة، وتعتني بالمظهر قبل الجوهر، أو الانزواء بعيدا عنها، ليجد نفسه أمام أصابع كثيرة تتهمه بالتخلي عن دوره التنويري والاحتماء ببرجه العاجي.

المنظومة كلها بحاجة لإعادة نظر، بما يعيد للمثقف دوره الحقيقي، ويحفظ مجهوده من الضياع.

 

  • حدثنا عن روايتك الجديدة “الملف 42” وعن أعمالك المستقبلية؟

 

صدرت روايتي الجديدة “الملف 42” بالتزامن مع المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء شهر فبراير الماضي، بدأت العمل عليها منذ أواخر عام 2017، حيث استغرق مني البحث وجمع المعلومات سنة ونصف، قبل الشروع في الكتابة طوال عام 2019.

تناولت في هذه الرواية مجموعة من المواضيع بأسلوب سردي مختلف، لعل أبرزها طرح سؤال الكرامة، من خلال النبش في قضية الزيوت المسمومة بالمغرب لسنة 1959، وقد حصل المشروع على منحة تفرغ للكتابة، قدمتها مؤسسة مفردات لدعم المشاريع الفنية والأدبية ببلجيكا، بعد منافسة مع 190 مشروعا من جميع الدول العربية.

كما أقول دائما، أنا كاتب ولست آلة كاتبة، لذلك أفضل التركيز حاليا على القراءة، لتوسيع اطلاعي على التجارب السردية العالمية، ومن ثم البحث عن أفكار جديدة تصلح للاستغلال الروائي في أعمال مستقبلية، كما تلقيت عروضا لترجمة أعمال عالمية إلى اللغة العربية، أطلع عليها حاليا قصد اختيار ما يناسبني منها.

 

  • كلمة أخيرة ؟

 

يعيش المغرب والعالم ظروفا استثنائية فرضها الانتشار السريع لوباء كورونا، ومادام الحل الوحيد لمواجهته حتى الآن هو بالبقاء في المنازل، فأنا أدعو الجميع للالتزام بالتعليمات، وتحويل ما يجري إلى فرصة ذهبية نستغل من خلالها الوقت المتاح في المطالعة وتطوير بعض المهارات وإغناء الرصيد المعرفي، والابتعاد قدر الإمكان عن الأخبار السلبية والإشاعات، رغم كثرة الضغوط النفسية التي توفرها هذه الأجواء.

 

 

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :