حاتم إبراهيم يكتب: اعتذار مرفوض

10 فبراير 2020

أخشى دائماً البكاء .. لكني لا أخشى كتابة أي شئ …
الكتابة بالنسبة لي .. ملجأ ، كلما ضاقت بي الدنيا .. أهرب بقلمي إليها.
وها أنا هاربُ الأن معهم كعادتي …

ولأول مرة أكتب والدموع تسقط من عيني ، ليست من قلمي فقط …
فالرجل لا يبكي إلا إذا أصيب بجرح لا يلتئم أبداً ، وبالأخص إن كان هذا الجرح من أقرب الناس إليه …

وها هي أبنتي بعدما جرحتني ، تزداد في الجرح عمقاً ، كل يومٍ أكثر من ما سبق.

كنت فرحاً لما كنا فيه …
فربيتها ، وعلمتها ، وحرمت نفسي من كل شئ .. حتى أُشبع رغباتها ، وألبي طلباتها …
حرمت نفسي من الطعام وأنا جائع .. كي تكون شبعانة ، حرمتُ جسدي من ملبس جديد وتركت القديم يذوب علي كَتِفي .. حتي ترتدي هي أجدد شئ …
رفضتُ الزواج مرة أخرى .. وأنا في أمس الحاجة إلي أمرأةٌ تراعاها في صغرها ، وتُخفف من علي الثقل ، بعدما توفت أمها فور أنجابها ، وكل هذا كي لاتشعر يوماً وإن كان بين نفسها وهي تغلق علي نفسها الباب ، أن لديها زوجة أب ، وألا تشعر بأية حساسية منها ..
سهرتُ الليالي .. وتنقلت من مكانٍ لأخر ، وعملت بدل الوظيفة أثنان وثلاثة،
كى لا تكن أقل من زملاتها ، ولتكن بمستوى يليق بها وألا يقل عنهم شيئاً .

وبعد كل هذا فالأن تعتقد أنى حرمتُها من حبيبها ، ومنعتها من الزواج منه ، ذو الغنى الفاحش والثراء والسيارات الحديثة ، الذى يعد ابن أحد كبار رجال الأعمال .. الذى ظل يطاردها ويصارحها بحبه ، حتى أوقعها فى غرامه وعشقته …

فالحقيقة كنت أتمنى أن أرفض هذا الزواج حقاً ، فكنت لا أريد أن يظن أنه ابن الباشا الذى تزوج من ابنة خادمه ؛ لكنى فعلت عكس هذا طلاما كانت راضية ..

وقابلته وجلسنا نتحدث سوياً وأستمع له ، ولم أمانع من حبه لها وأحترمته حينما جائنى وطلبها منى .. ونظير هذا وافقته ، بل وطلبت منه أن يعاملها كما أعاملها ، وأن يضعها فى قرة عينه كما أفعل حتى يومى هذا ، وألا يجرح قلبها يوماً ، فلا أدرى ما سيبدر منى وقتها …

وعاهدنى بذلك .. ووافق على كلامى ، وصدقته كما صدقته ابنتى …
وعدنا لنتقابل مرة أخرى ، ولكن فى هذه المرة كي يخبرنى بصعوبة الأمر ورفض عائلته التام من هذا الزواج .. ؛ وبالرغم من حسرتى لما سيحدث لأبنتى ، قابلت الأمر بإبتسامة ، وأخبرته أننى قبلت وجوده فقط لأنه فعل الأصول ، ودخل البيت من بابه ، رغم أنني لم أنظر لفارق المستوى بينه وبينها .. لا أقصد الفارق المادي وغناه ، بل الغنى العلمي ، فأنا لم أعلق .. وقبلت وجوده ، رغم كونه يحمل شهاده إعدادية .. وأبنتي في كلية الهندسة ، ولم أحبذ أن أزداد في الحديث حتى لا يزداد الأمر سوءاً …

وأخبرته بعدم استيائي .. وتقبُلي للأمر ، نظراً لقرائتي حدوث ذلك من البداية بحُكم السن وخبراتي في الحياة ، وذكرته أيضاً بما عاهدني به .. وعدم تنفيذ وعده ، ليس لسماع تبرير أو من أجل أن أسترد بعضً من كرامتي ، لكن ليُصلح هو الأمر من ناحية أخرى …

فعاهدته وجعلته يعاهدني ثانياً ..  وطلبت منه ألا يخبرها بحقيقة الأمر ، ورفض عائلته لهذا الزواج ، وإن يجعل الرفض من ناحيتي أنا ، لا أنكر أنه من أجل الكرامة بعض الشئ ، لكن والله حتى لا تُجرح أبنتي مِن مَن أحب قلبها …

لم أفكر لحظة أنه قد ينقلب السحر على الساحر ..
وفجأة وجدتُها تلومني … وتُحدثني بحدة ونفر ، وتخبرني أنني سبب تعاستها وحزنها في الدنيا ، بل وزادت في الجرح عمقاً أكبر حينما علِمت بزواجه ..

لكنها لم تعد تلك المرة تلومني فقط ، فقد عادت بوجه شيطاني لم أعتاد على رؤيته منها ، وجائت تشُدني من قميصي بقوة حتى أوقفتني ، وظلت ترج بي وتصرخ بوجهي ، وتخبرني بمدى كُرهها لي ، وكانت تلك الكلمة وكأنها صاعقة ضرب
بقلبي والتي من بعدعها كرهت حياتي ، وأحتسبت نفسي ميتاً بعد أن دفعتني في صدري وألقت بي ساقطاً على الأرض وعيناها تملئُها الشرارة ، ولم تفكر لحظة في من تفعل هذا ، ومن هذا الذي ملقي أمامها مغموراً في البكاء …

كنت قادر على أن أُلقنها درساً وأطيح بها ضرباً وأقسوا عليها أكثر من ما فعلت ، لكني رفضت هذا ، ورفضت أن أراها مكسورة الجناح ومتأذية مني ، وبالأخص لعلمي ما بداخلها من حزن …

ولو علي فأنا لن أحزن .. ولن أكرهها أبداً ، حتى بعد فعلتها هذه ، فأني دعوت الله ألا يحاسبها عن ما فعلت ، وأن ينظر إلي ما كانت به وما بداخلها من ضيق .. وأنها كانت بحاجة لشئ تفرغ فيه طاقتها ، فأستعوضت الله أني كنت هذا الشئ الذي فرغت فيه كبتها …

ف والله يا أبنتي لو كان بيدي ، لكُنت قد زوجته لكي .. وجلبته بأيه طريقة وأي ثمنٍ كان ، حتى إذا كنت مضطراً لخلع ملابسي وبيعها ، وأسير في الطُرق عارٍ…

وأقسم لكي لو كان حدث ذلك لكنت أتقبل الأمر وحينها لن اشعر بأي أذى .. وسأنسي أي مشاقة علي الفور ، نظير أبتسامة سأراها علي وجهك يا أغلى ما لدي ، ولكن كيف ستكوني أغلى ما لدي وأنتِ كل ما لدي ، فأنتي نفسي وحصاد عمري ، ليس مجرد كلمات فقط ، فأنتِ من رأها قلبي قبل عيني ، وأنفطرت روحي معكي حينما أبتسمتي ، وأرتجف جسدي وقت ما شعرتي ببردٍ ، وأنهار عقلي حينما تعثر تفكيرك ..

أنتِ أبنتي … وأسف يا عزيزتي ..
أسف أنني كنت حياً في الدنيا ، ولم أقدر علي جلب شئ أردتيه وتمنيتيه يوماً ، لكني أقسم بمن تهتز له السموات السبع .. أنني حاولت …
وأقول لكي وبكل خجل أسف .. حقاً أسف …

( ونظراً لعدم وجود فائدة من الأعتذار ، فسأصلِح كل شئٍ الأن مهما كان الثمن )

 والدك: فاروق….

.

.

حاتم إبراهيم – مصر

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

37 comments on “حاتم إبراهيم يكتب: اعتذار مرفوض

  1. حاجة روعة بجد أيه الجمال دا .. بالتوفيق للكاتب ❤️❤️

  2. الله ع الجمال .. قصة ممتعة جدا ❤️

  3. ماشاء الله أبن مصر حاجة مشرفة موفق بإذن الله وفي تقدم ديماً يارب وننتظر المزيد ❤️

  4. عمل جيد جدا ، لغة جميلة طريقة سرد جميلة بالتوفيق ❤️

  5. حلوة

  6. أستمتعت حقيقي ، وننتظر المزيد
    بالتوفيق لكم جميعا

  7. ام حسام فبراير 11, 2020

    حبيبي الغالي
    ربنا يوفقك ديما ومن نجاح لنجاح يارب ??

  8. Shrook adel فبراير 11, 2020

    وجعت قلبى وخلتنى ادمع ??
    بجد رووووعة ربنا يوفقك ومن نجاح لنجاح يارب ??
    مستنية اشوف اعمال تانية وتكون حلوة كده ❤❤❤

  9. Rawya sabet فبراير 11, 2020

    حلوة اوى ربنا يوفقك??

  10. عبدالله فبراير 11, 2020

    حاجة جميلة وقصة روعة .. ربنا يوفقك ديما يارب?

  11. ممتعة فعلا وفي غاية الجمال??

  12. جميلة الله اكبر?

  13. هذه القصه والله روعه وايد وايد ♥️

  14. عمر عبدالسلام فبراير 11, 2020

    مشوقة جدا وحبيتها من قلبي

  15. عبدالقادر فبراير 11, 2020

    ذرفت مني الدموع هالحين ?

  16. تبارك الله ما شاء الله

  17. رووووووووعة

  18. عاش بجد حلوة اوى ? بالتوفيق للكاتب ❤?

  19. Wow ? Sweet too .. excellent writer ❤ Good luck always ??

  20. ??Excellent

: / :