جواد الشلي يكتب: في الإعدادية..

30 ديسمبر 2019
الطريق طويل أمي ، هل سأذهب حتى السوق للدراسة في الإعدادية ، نعم بني فأنت لم تعد اليوم تدرس في الإبتدائية ، يجب عليك أن تصبر حتى تجتاز المرحلة الإعدادية ، حسنا أمي سأبحث عن صديق للسير في الطريق سوية …وهذا ما كان في قديم الزمان ، كان صديقي ابراهيم، يصاحبني في الطريق يوميا حينما كنا ندرس في الأولى اعدادية ، ابراهيم الروبيو عن اخوته ذوو الذراعين القويين، يقطن بالقرب منا، له اخوة عزيزين على القلب، جميعهم، منهم أحمد، وحينما أقول أحمد فإني غالبا ما أتذكر تلك الجملة الشهيرة، زوفري فالما يبكي، يبكي ويغني ، يعيط عزيزة وجدي .. هذه لن يعرفها الا أحمد ، أما ابراهيم كما قلت، كان رفيق الدرب، اجتزنا أيام رائعة جدا ، كان يستخدم ذراعه القويتين للإطاحة بخصومه ممازحا لهم ، هذا في الأولى 17، حيث كان العدد كبيرا من الحي يدرس معي نفس الفصل ، منهم سعد الكورتي ، واسماعيل الكورتي ، وأنس زعيرط ، وسفيان أبري  ، وجاء منتقلا محمد أبري ، واللائحة طويلة جدا ، كنا حينما نخرج من القسم ، جيش بنا يسير اتجاه أحريق ، أذكر ذات يوم ونحن في اتجاه  سوق الشبار ،  أحدهم أمسك قطة من ذيلها ورماها إلى مكان فوق رؤوس الجميع ، فبقيت متأثرا بهذا السلوك السيء ، حيث كنت أحسب القطط مثلها مثل الأرانب  الموجودة لدي في البيت.
مرت الأيام الأولى من الدراسة بهذه الطريقة ، نذهب أنا وابراهيم ، ونعود جيشا إلى الحي ، فلم يستمر الحال على حاله إلا أياما قليلة ، فجاء قرارنا  للبداية  في الدراسة بجدية ، كان لدينا في المؤسسة لباس مدرسي عبارة عن قميجة بيضاء وسروال أزرق داكن ، وبطبيعة الحال ربطة العنق ، كنت بالجدية المفرطة ألتزم بهذا اللباس ، وأنا لا زلت صغيرا ، لا اعرف كيف تربط ربطة العنق بتلك الطريقة ، فاشتريت واحدة تلبس مباشرة بخيط مطاطي عبارة عن دائرة ..وفي كل صباح كانت توقظني الأستاذة السلاوي إلى السبورة ، مادة اللغة العربية ، لغتها كانت فصيحة جدا ، ولم أسمعها يوما تتكلم بالعامية ، حتى أيقنت في قرارة تفكيري أنها لا تجيد الدارجة المغربية…كان لدي حذاء يحدث صوتا كلما دخلت القسم متأخرا ، هو ليس حذاء كلاسيكي ، إنما هو فقد جزأه الأسفل ، فظهر مسمار مزعج يحدث صوتا غريبا…هذا مع اللغة العربية ، أما في التربية الإسلامية مع با قاسم ، فكان الأستاذ قد حدثنا عن قصة طريفة ، عنوانها الأم والتفاح .. لا زلت أتذكر مجريات القصة حتى الآن ، حيث لقيته مؤخرا وزرته بنفس المكان هو و الأستاذ الصفار ، أما الرياضيات مع زوجة الصفار ، فجاء بعشرين وعشرين طه الروداني وحمزة البقالي ، لا أذكر بالضبط أفي الثانية إثنان أوفي الأولى سبعة عشر ، ومادة الفزياء والعلوم الطبيعية ، كانت حصصها تمر ثقيلة ومملة على نفسي ، وخصوصا الفزياء مع الكلاطي ، الذي غالبا ما كنا نسرع فقط للكراسي التي تدور حول نفسها بدوران يخلق السعادة ، وأخرى جامدة لا تتحرك ، يجلس عليها آخرون عابسون أخطئوا الاختيار هذه المرة ، أما العلوم الطبيعية ، فكانت تعجبني قليلا ، حيث كان فيها القليل من التعبير في تحليل الوثائق والرسومات الموجودة في دفتر الوثائق الصغير ، فيتم تقطيع هذه الوثائق والصور ، ووضع بعض من ملخصاتها على الكلاسور الذي كنت أناديه بكلاصون ، يعني القلب بالفرنسية…ولايمكن أن أنسى حصة التربية البدنية التي كانت فرحة تعم الجميع ، كان أستاذها الحريزي الذي كان أغلبهم يناديه بالشينو، لخفة حركاته وقبوله لدى الجميع وأيضا كان يشبه الصينيين  كثيرا وإضافة إلى ذلك ، كان رياضي بامتياز ، يشارك بالمتفوقين في مسابقات عديدة خارج المؤسسة ، أذكر في الحصة الأولى الذي استقبلنا فيها داخل القسم ، وقبل الدخول ، كنا نسمع عنه أنه يضرب المراطن و الشقلبات في الهواء ، الصراحة تقال ، أنا فرحت كثيرا بهذا الأستاذ كون ملامحه كانت تشبهني قليلا ، ولم أقول لكم أنه في الحصة الأولى ماذا حدث مع بلال ميكالو .. كان بلال يجلس في الطاولة الأولى في أقصى يسار القسم والأستاذ يشرح المادة وهو جالس على المكتب ينظر الى الزوايا الأخرى من القسم دون زاوية بلال ، بلال كان يفعل شيئا مخفيا ويضحك مع نفسه والزميل أمامه ، وبحركة لا أعرف كيف فعلها الحريزي ، أشار برجله ، أدهش فيها الجميع مع قهقهات من الضحك ، كانت مزحة من الحريزي لبلال الذي لم يعيد  الكرة ولا مرة …المهم أمرنا الأستاذ أن نشتري جيليات حمراء وخضراء ، أنا لم أفعل ذلك بل كان لدي قميص وائل الجيدي أخو سعد الذي درس معي المستوى الباكالولي ، كان  يحمل ذلك القميص  رقم أربعة ، بقي عندي من تلك المباراة التي أخدنا مجرياتها مع حومة الكلاب  أو حومة الجرا ، كما يطلق عليها  ، وهي توجد في المنحدر من حي عيساوى  اتجاه كطلان، كان لدي هناك صديق اسمه احمد النالي ، لا أعرف اين هواليوم، بعدما افترقنا من ذلك العهد.
المهم كنا نفرح ونصرخ بقوة حينما تكون الرياضة كرة القدم ، اشتريت حذاءا رياضيا من سوق الديزة ، ثمنه ثلاثون درهما ، لكنه يحمل علامة تجارية كبيرة  اسمها أديداس ، كنت ألبسه بعض الأحيان مع سروال الثوب ، وحينما أعود من المدرسة مباشرة إلى الملعب ، أو أزقة الحي نزعج فيها الجيران بالتسنتير ، ولي طيحها يخرج ، كانت الوادراسية رحمها الله دائما ما تمزق كرتنا أثناء الإرتطام ببابها ، لم يكن أحد أقرب مني إلى الملعب ، كنت هناك في الصباح والمساء ، حتى تناديني الوالدة من على سطح المنزل ، جواد آت  للغذاء ، أو العشاء ، وبعض الأحيان كنت أتخلف عن الفطور في الصباح الباكر ،  كنت متأثرا كبيرا بالكابتن ماجد ، وبسام ، وبعض الأحيان تأتيني فكرة حراس المرمى مثل وليد ، فاشتريت يوما من   صديقي يعقوب قميص الحراس بخمسة عشرة دراهم ، كان اسمه كلوز ، أظن كان مع البايار ليفركوزن ، وفي الوقت نفسه كنت أضع تسريحة شعر مثل فيكتور فالديس ، وأتذكرأن جواد كابيلو ، كان يناديني بفكتور فالديس 2004…ذات يوم وضعت لوحة خشبية مغروسة في الأرض ، أريد أن أكسرها بقوة الركلات ، لكنه لم يحصل ذلك ، فقط كان ذلك خيالا خيل لي أني سأفعل ذلك…تقريبا كل يوم كنا نلعب الفالطات والثلاثية و حتى البوتونوريا بعض الأحيان ، وفي المساء كان جنح الليل يظلم الملعب المتواجد في الحي قرب المنزل ،  آه نسيت عماد كان أقرب مني إلى ذلك، حيث كان يضيء لنا ذلك  بالمصباح المتواجد في الخارج .. أما عماد البراق ، فشخص عزيز على قلبي كثيرا ، كان دائما مايحدثني عن سطيحات وبوحمد ، ويصور لي مشاهد كثيرة تجري بمسقط رأس عائلتهم ، وأبو عماد البحار كان يهدينا سمكا كثيرا ، ذات يوم تسلمت منه ، سمكة من نوع الراية ، وضعت يدي في فمها ، لم تعظني ، بل أنا من ضغطت يدي في فمها وخرج الدم غزيرا ، فخرجب للأصدقاء قلت لهم عظتني سمكة   ، وأيضا كان عماد كرويا رائعا ولا زال حتى الآن ، تعلمت منه احدى ركلات الجزاء التي كان يفعلها بالرجلين ، اليمين واليسار في نفس الوقت ، هي في قانون كرة القدم اليوم غير محتسبة هدفا ، لكن في أحيائنا الشعبية ،كانت هدف رائع جدا .. آخر ما شاهدته يلعب كان ذلك في النهائي التي توج به فائزا مع عيساوة في النهائي ، ولا يمكن أن أنسى ذلك الرحيل الذي رحلوا فيه من الحي ، أظن أن الجيران بكوا عليهم كثيرا وهو لازال  حاضرا في القلب حتى اليوم.
المهم قلت، كانت تلك أديداس متاحة لكل من أرادها في الحي، وحتى  في المدرسة ، كان الطلب عليها كثيرا ..وذات يوم أخذها جواد أحناش الذي درس معي المستوى الرابع ، وحكى لي قصة موت كلبه  الذي سقط من أعلى السطح فنزل ميتا فمات ، وفي الوقت نفسه كان قد حدثني ونحن جالسين في الصف الثالث في المستوى الرابع ، أنه فابوريتو المادريد ،  بالروح والدم ، وكان يعجبه الروبيرتو كارلوس و كاسياس كثيرا…المهم أخد أديداس وذهب ..الى أين ذهب ؟ الله أعلم .. المهم حينما عاد ،عاد بها ممزقة كلها، أخدتها عند الطراف ، لم أعد ألبسها مع سروال الثوب هذه المرة ، كانت تفوح برائحة الكثير من عشاق المستديرة  والجلد المنفوخ ، فكان ذلك جميلا في كل الايام التي مرت مع هذا الحذاء الرياضي الذي تركته في السطح يتشمش وداخله الكثير من الحكايات والقصص المختلفة أنواعها وروائحها التي تختلف أحداثها وزمانها ومكانها من شخص الى آخر.
.
.
جواد الشلي – مدينة مرتيل
أستاذ بالتعليم الإبتدائي

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :