ايمان المجداوي تكتب: علم الترجمة الأدبية و قضاياه التاريخية التأسيسية

10 مايو 2020

تعيدنا الترجمة عموما، و الترجمة الأدبية خصوصا، ألى التفكير من جديد في قضايا تنتمي إلى حقل اللسانيات، و علم النفس، والكتابة الأدبية، و تاريخ الأدب، و الأديان، و الفلسلفة…إلخ، وتعتبر هذه القضايا من أهم القضايا التي طبعت تاريخ علم الترجمة الى جانب مجموعة من المصطلحات التي شكلت الأسس في ترسيخ هذا العلم.

إن الترجمة هي الفهم و التأويل في آن واحد، بما في ذلك نقل النص من لغة طبيعية إلى أخرى، وهذا المعنى الأخير هو المتداول لكلمة ترجمة،وقد عرفت الترجمة منذ قرون بأنها عملية تفسير للنصوص وهناك كلمة اخرى مرادف لكلمة تأويل،هي الهيرمينوطيقا ويقصد بها بها التفسير و التأويل و الشرح، وتعتمد الهيرمينوطيقا على المعاني الخفية و المعاني الظاهرة، وهذه المعاني هي التي تعطي للنصوص الحقيقة الممكنة، إن المعنى الخفي للترجمة هو نقل نص من اللغة الطبيعية إلى أي لغة اخرى أجنبية.

إن الترجمة هي آحتكاك الألسن، و ينتمي هذا المصطلح لحقل مخصص من اللسانيات الإجتماعية و اللسانيات الجغرافية، ومن نتائج احتكاك الألسن هذا،هواستفادة الثقافات من بعضها، و استفادة كل لغة من لغة اجنبية اخرى،و هذا ما يسمى بالتداخل،والذي بدوره له نتائج على المستويين النحوي و المعجمي.

الى جانب احتكاك الألسن،تعتمد الترجمة على اختراع الإصطلاح وهو مفهوم من إبداع ابو حامد الغزالي،بحيث على المترجم اختراع اصطلاح يفهمه جميع الناس،وحتى يستطيع القارئ الإطلاع على المراد أي التعبير المشترك وهو مذهب يفهمه جميع عناصر ومجالات التداولية(الدين-الكلام-المنطق)، إذا فعلى المترجم أن يكون دائما على احتكاك مع الألسن.

تعتبر الترجمة عمل من اعمال الذاكرة، ومصطلح عمل الذاكرة،هو مصطلح وضعه،سيجموند فرويد،ويقصد به أن يكون للمترجم معجم في الذاكرة ويختار ألفاظه بعناية،وحين يقع على لفظة دون الأخرى فهذا راجع إلى ذاكرته، كما يجب على المترجم ان يتمضهر في شكل كاتب لكي يصل إلى الكلمات المناسبة، فتوافر اللغات وحده لا يكفي ،فعليه مثلا،ان يكون شاعرا إذا أراد أن يترجم الشعر ، وأن يكون أديبا إذا أراد أن يترجم رواية و هكذا.ويقول فرويد في هذا الصدد:<<إن معرفة اللغة في الترجمة غير كافية يجب أن تكون ذاكرة المترجم غنية و مليئة بالكلمات.>>

إن الترجمة أيضا هي عمل الحداد،وهو مصطلح وضعه بول ريكور،ويقصد به أن كل ترجمة يجب أن نحزن عليها فكل نص تموت فيه اللغة الأصلية و على المترجم أن يعوض تلك الخسارة بأشياء أخرى، وعمل الحداد كما يقول ريكور هو إنقاد للنص.

عرفت الترجمة مجموعة من القضايا التي أثارت جدلا واسعا في تاريخها الأدبي،ابرزها قضية الغموض،وهو مصطلح رسخه أمبرتو إيكو،ولعل من الصعوبات التي يجد المترجم في عمله هي عندما يجد شيئا غامضا في النص،ويحتمل النص الغامض دلالتين على الأقل،و الذي يعرف الغموض هو المترجم الأديب ويعرف إذا ما كان الغموض مقصودا او غير مقصود ،والغموض نوعان:غموض سيء و غموض خصب، والمترجم هو الذي يستطيع أن يظهر الغموض في النص و يوضح إن كان مقصود او غير مقصود،كما يستطيع معرفة جغرافية الأساليب، و الدلالات افي الغموض من الناحية النصية، وقد قدم أمبرتو إيكو 3 قواعد إضافة إلى تاريخ الألفاظ و الاستعارات  و جغرافية الأساليب، وقد قدمها إيكو في 3 إجابات  يجب آحترامها من أجل الترجمة الجيدة هي:

-يجب الحفاظ على الغموض الخصب.

-يجب حذف الأسلوب السيء لأنه يشوش على المعنى.

-إذا كان هناك غموض لم يدركه الكاتب  لكنه خصب يجب الحفاظ عليه في الترجمة.

و من الأمور التي يجب على المترجم أن يصل إليها في الأخير هي:

-أن يحذف الغموض.

-أن يتوصل إلى ان هذا الغموض ليس من رغبة المؤلف.

-أن يحتفظ على غموض النص الخصب لأنه غني بالدلالات.

قضية رؤية العالم:يعد أول من آستعمل هذا المصطلح هو جورج مونان،ويقصد به في حقل الترجمة بالرؤية العامة للناس الذي تكون لديهم لغة واحدة و خلفية تفكير واحدة،و عليه فآختلاف اللغة والفكر تجعل من فعل الترجمة شيء مستحيل ،ومن الامور التي تعيق المترجم في هذا الصدد هي إعجاز اللغة أمام لغة أخرى،ولكي يستطيع المترجم أن يطابق بين نصين عليه أولا:إتقان اللغات التي يترجم بها و يكتب بها، وعليه أن يعي أن كل ثقافة لها مقولات خاصة بها، وهذه المقولات الموجودة في الثقافات التي لا تساعد الفرد في التعبير فحسب بل تساعده على فهم ما يوجد في الطبيعة و تحليلها، ويقول جورج مونان في هذا الصدد:<<إننا نشرح الطبيعة طبقا للأشكال التي سبق للغتنا الطبيعية أن خطتها>>.

قضية السياق و الضمنيات الدلالية:هناك نوعين من الملفوظ، ملفوظ صريح ظاهر و ملفوظ ضمني،لذلك نجد نظرية الخطاب تميز بين الضمنيات الدلالية و السياق، وهذا هو المشكل الذي يعترض كل المترجمين، فالباحث أو المترجم يصطدم بالضمنيات، فحينما يصطدم  بالمعنى الضمني او اللفظي فإنه يبدأ بالبحث عن ألفاظ داخل السياق،وحينما ينتهي المترجم يبقى أمامه مسألة الخطاب، هذا الأخير هو النص الذي يتكون من فقرة أو بضع جمل،ولفهم هذا الخطاب نضعه في سياقه فلا يوجد خطاب بدون سياق ،إن الضمنيات إذا،تساهم في إعطاء تركيب أخر و مفهوم أخر ،وإذا جمعنا الدلالة الضمنية و الخطابية فالمترجم يصبح إنسان مؤول.

قضية العجمة:العجمة هي لفظ غريب و استعارة من اللسان الأجنبي،أي استضافة لفظ أجنبي،و استعماله ضمن اللسان المستضيف، ويكون الفرق في الصوت،على المترجم أن يقدم لمجموعة من القراء الأجانب نصا مضبوطاَ من كل النواحي،ومن المعيقات التي يصطدم بها المترجم،هي العجمة،حيت يجب عليه أن يحترم دائما النص الأصلي،وأن يفهم العلاقات السياقية،فالترجمة تتم داخل السياق،لأنه يقوم بالربط بين المكونات،وبتوليد المعنى،فعندما يفهم المترجم السياق يسهل عليه عملية استبدال المفردات.

يحتاج التمييز ببن الترجمة الجيدة و السيئة الى ثلاث خبرات يجب على المترجم ان يتوفر عليها هي:

-الخبرة.

-معرفة بالأدب.

-معرفة بالأساليب اللغوية والحوارية.

يمكن تفريع الخبرات السابقة الى مجموعة من القواعد هيي كالتالي:

المترجم الأديب و الجماعة:- المترجم ليس مجبرا  على ان يقول كل ما قاله الكاتب.

-بعض النصوص تكون جملها ناقصة وعلى المترجم ان يجعلها تامة.

-على المترجم ان يوفر في النص تراكيب تحافظ على وحداته.

-على المترجم ان يفهم الأستعارة و يضع المفردات الجيدة.

-على المترجم ان يملك حس التمييز حيث يمكن أن يتخلى عن كلمة أو جملة وهذا الحذف يكون لصالح النص.

-إذا كانت الكلمات غريبة على المترجم حذفها لأنها ستسيء للنص.

إذا وجد المترجم ألفاظ قديمة لم تعد تستعمل إما أن يشير إليها في النص إلى أي فترة تنتمي أو يحذفها.

-على المترجم أن يقوم بنفس المجهود اللغوي و الأسلوبي الذي قام به الكاتب الأصلي.

-ينبغي أن يكون للمترجم وعي لغوي حاد.

الأساليب الحوارية: عندما تتعدد الأساليب في الرواية ينتج عندها الحوارية بين الأصوات كما تنتج ايضا ايضا الوحدة العضوية ، وقد اعطى باختين أهمية كبيرة للأساليب ،وينصح الحواريين بأن يفصلوا بين الأساليب بطريقة ما و يضيف أن عليهم أن يتحدثوا بلفظ لطيف وعلى المؤلف أن يترك مسافة بينه و بين الأساليب، في حين يجب على المترجم أن يكون حواريا و يأمن بتعدد الأساليب  ويحافظ على هذه الحوارية.

أن الجانب الأسلوبي و اللغوي و الكتابي هي جوانب هامة لدى المترجم، وعليه أن لا يشتغل بآنعزال عن الأفق الترجمي و الثقافي، إذ لابد أن يكون له وعي بالاختيارات اللغوية كما يجب أن يكون له وعي و ممارسة في ميدان الترجمة و ينبغي للمترجم أن يعرف معنى الأدب و تجلياته من خلال 3 مرتكزات هي :أدب اللغة-أدب المحاكاة-أدب التخييل.

المترجم و الجماعات: المترجم هو شخص ينتمي إلى جماعة ما،فعندما يترجم نص ما فقد أصبح في الجماعة التي ترجم لها ، والمترجم حين يترجم يدرك أن النص، هو خطاب موجه لقارئ فرد وهذا القارئ الفرد ينتمي إلى الجماعة، والأدب مليء بهذه الجماعات لكن في الترجمة يمكن أن نقول أن جماعاتها أكثر من جماعات الأدب،ونميز هنا بين 3 انواع من الجماعات التي تنظوي تحت جماعات التلقي هي:

-الجماعة الإبستيمية:و هي جماعة تحاسب على كل شيء فهي  الجماعة العارفة بمجال التخصص، وهم جماهة يجتمعون في استعمال مصطلحات و علامات و يحاولون فك غموض النصوص.

-الجماعة النصية:وهي جماعة تشتغل على النصوص كالقصة القصيرة و الرواية و اليوميات، و تشترك الجماعتين معا في التفسير و التأويل.

الجماعية التقنية:هي جماعة ضيقة متخصصة و كلامها غير معروف كالأطباء.

الكلم الشخصي:هو خطاب شخصي يتحدث عن شيء واحد مع شخص اخر يشبهه أثناء مدة محددة،وسيجد المترجم هذا الكلم الشخصي حينما يترجم لهجة من اللهجات وهذا الأمر اهتمت به اللسانيات الإجتماعية واللسانيات التلفظية،وقد عرف هذا المصطلح الأخير امتدادا انطلاقا من مصطلح وضعه ميخائيل إيقاعير وهو (لسان المؤلف)و اطلق فرانسوا سيشي فيما بعد على هذا المصطلح ،مصطلح اخر هو <الكلم الإجتماعي>.

تأسيسا على كل ماسبق يمكن القول أن الترجمة،هي مادة مرنة تأسست على مجموعة من القضايا و المصطلحات التي خلقت جدلا واسعا في حقل الترجمة الأدبية،وذلك ترسيخا لهذا الحقل المعرفي القائم بذاته.

ايمان المجداوي – مدينة الرباط

المصادر: مذكرة محاضراتي في كلية الأداب بالرباط، والمادة من تدريس:الدكتور و الكاتب محمود عبد الغني.

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :