ايمان المجداوي تكتب: الأدب المقارن و مجالاته التأسيسية من الأدب العام إلى الأدب العالمي

17 مايو 2020

إن الأدب المقارن هو تاريخ العلاقات الأدبية الدولية، وهو امر حديث الظهور لأن الإتصالات والتبادلات والتأثيرات في الأداب القديمة لم تخرج عن حيز الموازنات والاقتباسات، فموضوع الأدب المقارن لا يتوقف عند حد، فهو يعالج الأنواع وتاريخ الحركات والتيارات الأدبية والمشاكل المعروفة في العديد من الأداب والتناقض وبالقضايا الجمالية التي تطرحها اللغات المتعددة.

تعد المقارنة أداة معرفية أكيدة في كل قراءة وجل القراءات الجديدة والمعاصرة، وتستدعي الرصيد الثقافي للقارئ و حثه على مواجهة السابق بالأحق، الثابت بالمتحول، المنسجم بالنقيض، الجزئي بالكلي، مما يتطلب معرفة واسعة و ثقافة عابرة و لغات عديدة أو يقتضي توزيع الدراسة الواحدة بين العديد من الباحثين المتعددي التخصصات.

يقول كلوط بيشوا في هذا السياق:<<الأدب المقارن وصف تحليلي ومقارنة منهجية تفاضلية وتفسير مركب للظاهرة اللغوية الثفافية من خلال التاريخ والنقد الفلسفة وذلك من أجل فهم أفضل للأداب بوصفه وظيفة تميز العقل البشري>>

يتميز الأدب المقارن بكونه في نفس الوقت مبحثا متعدد التخصصات ومتقاطع التخصصات وعابرا للتخصصات، فهو متعدد التخصصات لأنه يستوعب فروعا معرفية متعددة ويستقطب مباحث متباينة، وهو متقاطع التخصصات لأن تجميعه للتخصصات والمباحث المختلفة في إطار مبحث تركيبي، وهو عابر للتخصصات لأن مقاصده الكبرى واستراتيجيته العامة لا تجعله لا يهتم بالحدود والحواجز.

هكذا يندمج الأدب المقارن في سلسلة من الثنائيات المنفصلة سابقا، والتي عادت لتعمل في شكل عمليات الوصف-التحليل-المنهجية-التقابلية-التفسير-التركيب-التاريخ-النقد-الفهم- الوظيفة. ولا يقف الباحث المقارن عند هذا فحسب بل يجعل من الدرس برجا لمراقبة التبادلات بين الخصوص والخصوص والعبور نحو العام، لحد ان اعداء هذا النوع من الدراسات يعتبرون الأدب بمثابة جمركي للادب، يراقب على الحدود تسرب الكتل ويحصي الترجمات وكله تحفز لضبط كل ما يحمل أثرا للخارج.

ويهتم المقارن بالمقارنة بين تاريخ الأمم في مجال الفنون و الأداب و المعارف التي لها بها صلة،كما يهتم بالمقارنة بين كتاب ينتمون إلى ثقافات مختلفة تجمع بينهم صلات فكرية أو إبداعية مشتركة ثم مقارنة  جنس من أجناس الأدب كالقصة او المسرحية أو الشعر في أمة من الأمم، ووضعه في مدى المقارنة مع ادب امم اخرى، ومن هنا فالباحث المقارن يتوقف عن الحدود اللغوية و الوطنية ويراقب تبادل المواضيع و الأفكار و الكتب و المشاعر بين أدبين و أكثر،ومن هنا فإن طريقة عمله يجب أن تنطبق على تنوع أبحاثه،لكن ثمة شروط مسبقة عليه إتمامها مهما كانت اتجاهات ابحاثه،فالمقارن بحاجة إلى عدة للعمل هي:

-أولا: المقارن او لعله مؤرخ عليه أن يتجهز بثقافة تاريخية كافية تمكنه من معرفة الأحداث الأدبية في إطارها التاريخي.

-ثانيا: الباحث المقارن هو مؤرخ للعلاقات الأدبية إذا يجب يجب أن تكون معرفته واقية عن الاداب في عدة بلدان وهذه حقيقة بديهية.

-تالثا: لا بأس ان يعرف المقارن بعض اللغات مما يساعده على بحث الأمور في لغاتها الأصل.

-رابعا: على المقارن أخيرا أن يعرف كيف يجد معلوماته الأولى وكيف يقيم بيانا بمصادر الموضوع ومراجعه، وإن لم يكن هذا الأمر جامدا او متشابها فثمة أدوات لا غنى عنها مطلقا هي:

أ-الكتب البيبليوغرافية لمختلف الأداب.

ب-تتبع أحدث ما صدر من نشرات في الأدب المقارن.

ج-المعرفة بمرجعيات الأدب المقارن.

خاصيات ومجالات الدرس الأدبي المقارن:

يلج الأدب المقارن مجالات عديدة منها: دراسة الأدب، دراسة الرحلات، دراسة الاستشراق، دراسة الترجمة، دراسة الأدب الشعبي الشفوي، كما يهتم بالمقارنة بين كتاب ينتمون لثقافات مختلفة تجمع بينهم صلات فكرية و إبداعية مشتركة، كما يعمل على مقارنة جنس من أجناس الأدب كالقصة أو الشعر أو المسرحية، في أمة من الأمم ووضعه في محك المقارنة بين امة و اخرى.

ومن خصائص هذا الدرس المقارن اتسامه بالشمولية، يدرس هذا الأخير الظاهرة الأدبية من عدة زوايا، كما أنه يتسم بدراسته للتلاقي بين الأداب في لغاتها المختلفة، ومن خصائصه أيضا أنه يتميز في نفس الوقت بكونه مبحثا متعدد التخصصات ومتقاطع التخصصات وعابر لهذه التخصصات.

الأدب العام والمقارن:

إن الأدب العام و المقارن لا يقارن النصوص وبالأحرى ليست هذه المواجهة إلا آستعدادا لتساؤلات و بحوث أخرى تهدف إلى الربط بين نصوص و مجموعات من النصوص و اداب و ثقافات و تتبع الحوارات في ما بينها.

لقد جعل المقارن من العموميات اختصاصه المقارن مع ذلك لا يمتلك معارف غير محدودة، إنه يتقن لغات عديدة حية وميتة ويتأمل في التاريخ الفكري لقارته، دون ان يغفل عن الانفتاح على القارات الأخرى، ويهتم بصورة خاصة بعصر وقرن معنيين وببعض المجالات التي تشكل ارضية المقارن.

في مواجهة المسائل التي يحب الأدب العام ولمقارن أن يطورها عبر تجاوز وتوجيه الثقافات والفصل بين الأداب يبقى بعضه جامدا وحذرا، إن الأدب العام والمقارن يرعب ويحير ويزعج لأنه يعارض العزلة والأنانية والروح الإختصاصية، فالأدب العام المقارن هو حالة روحية و نوع بالإنفتاح و نزوع إلى التركيب و معرض للتأنيب و السخرية.

الأدب المقارن العالمي:

إن العصر الذي نعيشه هو عصر المقارنات، وقد ظهرت المقارنة في كل ميدان وحقل، إذ لا يمكن فهم موضوع حق الفهم دون تسليط أضواء اجنبية عليه، والنظر إليه بالمقارنة في متشابهاته ومتناقضاته في الحقول التي تمت إليه بصلة، واليوم حيت تم وضع الأب العربي الى مساق العالمية، يجب دراسة هذا الأدب على حقيقته وتفسيره وتوضيحه وتقديمه واضحا لبقية العالم، وذلك بمقارنته ومقايسته مع الآداب الأخرى، وهذا ما يساعد على نموه وتطوره في ضوء الآداب الأخرى ونقدمها فهو عنصر هام من عناصر الأدب الحديث.

إن هذه الدراسات كثيرة وهي في ازدياد مستمر، وذلك على خلفية أن تاريخ الأدب العربي الحديث هو في جزء كبير منه تاريخ تأثره الإبداعي بالأداب الأروبية، فقد تمخضت المثاقفة التي نشأت بين العرب فأوروبا ولم تزل مستمرة منذ اواسط القرن 19 عن تحولات جدرية في الأدب العربي، أجناسا أو من ناحية اتجاهاته الفنية أو الفكرية، فعلى صعيد الأجناس، ظهرت في الأدب العربي أجناس لم تكن موجودة كالمسرحية والرواية والقصة القصيرة والأقصوصة والقصة الشعرية.

وعلى الصعيد الفني، انتشرت في الأدب العربي تيارات أوروبية كالرومانسية والواقعية والواقعية الإشتراكية والرمزية والسريانية، أما على الصعيد الفكري، فقد انتقلت إلى الأدب العربي اتجاهات فكرية ذات المنشا الأوروبي كالماركسية والوجودية والليبرالية.

دور الترجمة في الدراسات المقارنة:

إن الترجمة هي المؤشر الأساس في المقارنة، فيها تلاقحت الثقافة وأفادت كل ثقافة من غيرها، فخرج لنا مزيج في صورته، ويدخل في ذلك دور المترجم، الذي يجعل المادة المترجمة قريبة المأخد لمعرفته بطبيعة الأمة، وأسلوبه يحمل ملامح الثقافتين التي يترجم لها ومنها، ما يصلح لها و ما يناسب ثقافتها و قيمها، إذ لا يضير بأمة أن تأخد من أمة و أن تستفيد منها في شتى نواحي الحياة بل الكارثة هي ان تبقى عالة على غيرها.

يقول غوته في هذا الصدد: “كل أدب يعكس حاجته مرحليا للإلتفات إلى الخارج”

ويقول العروي في ذات السياق: “لا يعرف العرب اليوم أنفسهم ولا يمكنهم أن يعرفوها إلا في علاقاتهم بالغرب”

بناءا على ما سبق يمكن القول أن الأدب المقارن مبحثا تركيبيا عاما ذو طابع موسوعي، وهذا الطابع الموسوعي هو الذي يجعله يستعمل النظريات الأدبية و الثقافية و اللسانيات و تاريخ الفلسلفة…إلخ، فالأدب المقارن يلج مجالات عديدة منها دراسة الأدب -دراسة النقد-دراسة الرحلات -دراسة الترجمة-دراسة الأدب الشعبي الشفوي-دراسة الإستشراق … دون ان ينتمي إلى أي إطار من هذه الإطارات، باعتباره يحرك فروعا علمية ومباحث معرفية تبدو أحيانا مستقلة بذاتها لكنها تصب في الإتجاه العام و تحقق مقصدا عاما.

المصادر:

كتاب الأدب المقارن؛ ماريوس فرنسوا غويار.

سلسلة مذكرة محاضراتي في كلية الأداب بالرباط، المادة من تدريس الدكتور محمد التعمرتي.

ايمان المجداوي – مدينة الرباط

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :