امال الادريسي تكتب: زهرة الياسمين

27 أغسطس 2019

صاحبة محل لبيع الورد، سمراء ، عسلية العينين، جميلة ، انيقة، نبرة صوتها معزوفة حزينة لحنها عازف كمان وهو في حالة شجن، نظرة عينيها ديوان شعر هجاء وعتاب وغضب ورثاء، جبل هي من الحزن والاسى والوحدة، تخفي كل معاناتها وراء ابتسامة ترسمها على وجهها كلما دخل زبون محلها.

اليوم عيد الام ، سيعرف المحل حركة غير عادية ، على ياسمين التحلي بالصبر واتقان فن التمثيل واخفاء ارتباكها وتوترها وقلقها   عليها السيطرة على دموعها ربما خانتها دمعة وسالت على خدها الجميل وافشت سرها ، فهدا اليوم سيكون طويلا ومرهقا لابد لها من تلبية طلبات الزبائن كما تعودت فمحلها يعتبر من اشهر محلات بيع الورد والازهار خصوصا ازهار الياسمين.

انه يوم يحتفل فيه العالم برمز الحنان والعطاء ، بصاحبة القلب الكبير والحضن الدافىء والاحساس الجميل والصادق ،بالملاد الآمن بالتي تمسح دموعك وانت صغيرا ،وتحمل همومك وانت كبيرا.

هو عيد للأم ، كيف لياسمين ابنة الملجأ ان تحس بيوم كهدا ؟ لمن ستهدي باقة وردها ؟ لمن؟ هل ستهديها للتي تخلت عنها وتركتها رضيعة ملفوفة في كيس مرمية في مكان مخصص لرمي القمامة ؟ لمن ستهدي باقة وردها اذا؟

ياسمين كلما سألها احد عن امها قالت: توفيت وهي تلدني، فالحقيقة بالنسبة لها، احساس بالذل والعار والإهانة ، المجتمع لن يرحمها سيعاملها كمذنبة وليست الضحية، هي دائما في صراع مع نفسها ، تحاول ان تجد عذرا لتسامح امها وتغفر لها فعلتها لكن دائما تتساءل لما اختارت ان تتركني في مكان للقمامة ؟  هي الآن شابة متعلمة حاصلة على دبلوم، بفضل مؤسسات القروض الصغرى  تمكنت من الحصول على قرض لانشاء مشروعها، فمحل بيع الورد كان حلمها مند صغرها، خصوصا لما اطلعت على ملفها وعلمت ان أول رائحة شمها أنفها الصغير هي رائحة القمامة، قررت ان تعطر حياتها برائحة الياسمين والورود والازهار بكل  انواعها، وان تختار مهنة بائعة الورد، اشترت محلا اصبح هو كل حياتها.

الثامنة مساء، موعد الاغلاق ، ياسمين ستعود الى غرفتها وحيدة تكلم الجدران، تلاعب  قطتها التي لها نفس قصتها، لكن قبل ان تغادر ابتسمت وقالت: يا لغبائي وانانيتي، نسيت من تولى رعايتي وانا رضيعة في دار الحضانة للاطفال المتخلى عنهم وانا مراهقة في الملجلأ، فكل المشرفات والحاضنات كن امي ، ومازلن ، لكل المحسنين والمحسنات ، لكل من رسم البسمة على وجهي ، لكل من له الفضل في وجودي انا ياسمين ، لكل هؤلاء اقول كل عيد ام وانتم بالف خير، اما امي لكي اغفر لها ، عليها ان تجيبني على سؤال بسيط : هي اختارت ان تتخلى عني وتتركني لها عذرها لكن لما القمامة؟ كان اولى بها ان تتركني امام باب مسجد، كنيسة اوبيعة، لما اختارت القمامة ؟

امال الادريسي

مدينة طنجة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :