امال الإدريسي تكتب: احلام بسيطة لا تنتهي

13 يونيو 2019

قصة

في كوخ صغير من القصدير، جدرانه من الطين، متاكة ضلعا خشبيا يتوسط الكوخ، جلست الريفية ميمونة سيدة في عقدها الثالث،على سجاد بربري تقليدي من الصوف حاكته بيديها بحرفية عالية، برعت في تنسيق ألوانه ورسوماته المركبة ،اذا امعنت النظر فيه تسرح بخيالك في متاهة لن تستطيع العثور على منفذ للخروج منها،أمامها طبلية خشبية مستديرة ،وضعت عليها، ابريق شاي،كاسين وصحنين، واحد فيه زيت الزيتون والآخر قليل من زيت الأركان، ومنديلا صغيرا من القطن اصفر اللون، غطت به الخبز الساخن الذي عجنته من دقيق الشعير وطبخته في فرنها الطيني التقليدي الكائن في الجهة الخلفية من الكوخ.
ظهرت علامات القلق والتوتر على ميمونة، قد خيم الظلام على المكان وعلال ابنها الوحيد لم يعد بعد،نزل باكرا بقطيع الغنم لسفح الجبل بحثا عن مرعى قريب من الوادي حيث الظل والعشب والماء.
فجأة سمعت نباح كلب علال،اطمأن قلبها وابتسمت ابتسامة عريضة ابتهاجا بعودة صغيرها،لم يتأخر علال لكنه قلب الام وخوفها. زرب علال القطيع في الزريبة،دخل الكوخ وضع جانبا حقيبته التي يحمل فيها طعامه وآلة ناي ورثها عن والده،غسل يديه، قبل راس امه،وجلس بالقرب منها،تناول قطعة خبز، صبت له الشاي في كاسه ،ثم شرع في الاكل، لاحظت ميمونة أنه ليس كعادته،لم ينطق بكلمة وهو الذي لا يسكت عن الكلام حتى أطلقت عليه اسم(الراديو )وجهت له سؤالا: ما بك علول رد عليها بتكلف: لا شيء
ما الخطب يا قرة عيني ميمونة
يما: بينما كنت جالسا على حافة الوادي احرس القطيع،واعزف الناي،مر استاذ اللغة العربية السيد:
قاسم لاحظ وجودي فسالني غاضبا : لما لم تلتحق بعد بمدرستك،أيها العازف الفنان ،لما؟ فعلامتك جيدة وقد نجحت بامتياز
قلت له استاذ : توفي والدي خلال العطلةالصيفية،انا وحيد امي من واجبي مساعدتها،فقطيع الغنم هذا،هو مصدر عيشنا وقوتنا اليومي
رد الاستاذ :ليس عيبا ان تساعد امك، ولكن ان تترك دراستك وانت متفوق لترعى الغنم، مؤسف يا ولدي
على امك ان تجد حلا لحالتك هذه،فالمستقبل زاهرا امامك ، انت تلميذ نبيه وفنان أيضا تعزف ببراعة ،قد اطربتتي.
ودعني الاستاذ قاسم، بعد أن أخذ وعدا مني بالالتحاق بمدرستي هذا الاسبوع.
يما: انا حزين ،اريد متابعة دراستي،اريد شراء محفظة جديدة،اريد شراء الكتب المدرسية، اريد حذاءا رياضيا اسود اللون.
يما: احب ابي،لكن لا ارغب ان اعيش كما عاش،مجرد راعي غنم،لي أحلام اريد تحقيقها ،لكن ما باليد حيلة
رق قلب الام،تحركت مشاعر الأمومة لديها،انتفضت من مكانها،وقالت بصرامة :غدا السوق الأسبوعي، سابيع كل القطيع،لن ترعى الغنم بعد الان ،بل ستعود لمتابعة دراستك، هذا كان حلم ابيك رحمه الله. استغرب علال من ردة فعلها وقال لها: كيف يا ميمونتي وقطيعك هو اغلى ما تملكين
ردت عليه: ليس اغلى منك يا فلذة كبدي
يما: هو مصدر عيشنا
كان، الآن ساشترك في تعاونية لصناعة السجاد البربري التقليدي،التابع لجمعية تنمية المرأة القروية ،من خلال بيع السجاد ساوفر مبلغا يمكننا به تحقيق كل ما نحلم به، خصوصا انت يا علول،فاحلامك رغم بساطتها فلن تنتهي ابدا.
.
.
امال الإدريسي – طنجة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :