الحسين ايت بها يكتب : موضوعة الموت في السرد المغربي المعاصر

12 يوليو 2021
 
 
تتكرر موضوعة الموت بشكل كبير في المسرود المغربي المعاصر، و تعتمد ثيمة رئيسية لتمثل تجربة تجرع مرارتها وتمثلها ليتم صياغتها على شكل نصوص أدبية، فالروائية المغربية فتيحة “مرشيد” تقول في مقدمة روايتها ” لحظات لا غير”: ” تريث قليلا أيها الموت.. إني أكتب…”.



لتعلن أن الكتابة رهينة بالموت، وأثناء موت صاحبها تنتهي الكتابة وتنطفئ، ولن يعود بها وجود، هذه الكتابة التي هي في الأصل بوح سردي متواصل، يعبر بواسطته السارد عن هموم وقضايا المجتمع، بل هي مجال للإجابة عن الأسئلة المقلقة التي تؤرق الإنسان في الحياة المعاصرة، خصوصا أن الكاتبة طبيبة نفسية تغلغلت في المجتمع، هكذا إذن يصبح الموت حاجزا يمنع من الوصول إلى الآخر، والبوح له بأسرار وتفاصيل لا يملك دراية أو معرفة عنها.
موت وجودي تأملي صوفي:
يربطه السارد بالحالة التأملية وموقفه من الوجود، وهو سؤال الموت، لماذا هو موجود؟ وكيف ستكون نهايته؟ ليصبح الموت بالنسبة للبعض من الذين تجرعوا العذابات في هذه الحياة شيئا تافها:
” الذين يرهبون الموت عادة لا يخافون الموت، بقدر ما يرهبون ما وراءه، أما أنا، وقد مارست علي الحياة، شتى أنواع التنكيل والعذاب، لم يعد يهمني سؤال “ماذا وراء الموت؟”، لأنني ببساطة لا أتوقع أن هناك أقسى من هذا الجحيم الذي أذاقتني إياه الحياة…”. موت السارد البطل والوصول إلى نهايته الحتمية، المنتظرة وهي لامبالاة نابعة من تعقيدات الحياة المعاصرة التي جعلت من الإنسان المعاصر مجرد جثة تدب فوق الأرض، ليتخيل نفسه وهو ميت.
” تسألينني عن الفرق بيننا وبين الذين دفنوا، لا فرق هم تحت الأرض ونحن فوقها…”
لكن الروح متعبة، تتوق للخلاص الأبدي، بعد عذاب لا نهاية له، وآلام شتى:



” لم أتألم كثيرا حين أقبلت جوليا تحمل في يدها حقنة أخيرة، لم أبد أي اعتراض، لا يقوى الميت على شيء أمام غساله، وروحي تعبت، روحي في حاجة للخلاص…” .
البقاء على قيد الحياة إذن عذاب، وألم لا يطاق، وحاجة إلى الخلاص، تصل إلى درجة اشتهاء الموت. ” لم يعلمني شبح الموت الذي يقيم معي، كيف أحترم الموت فحسب، بل كيف أشتهيه…”.
*موت الذات:
الموت هنا يحيل على فقدان الإحساس بكل شيء. عجز دائم لا نهاية له، أمام العمى الذي أصاب الكون والوجود. ونتيجة خيبة الأمل من الواقع المتردي، حيث تتحول الذات إلى شلال هائم من البوح، علها تشفى من مس قاهر، يقودها نحو الجنون، هذا الموت الذي يصير فيه الجسد عاجزا بين عجز العمى وعجز القيام بالفعل:
” كأن اللحم والعظام أفرغا من جسدي وحشي مكانهما زلط واسمنت مسلح، أحاول أن أحرك أطرافي وأعجز تماما عن ذلك…”.
إنه عجز دائم انعكس على نفسية الروائي المغربي المعاصر، فطبع الرواية بنفس مأساوي ينطلق من آلام الواقع وتناقضاته.
 
 
المراجع والمصادر:
فاتحة مرشيد : ـ لحظات لا غير، رواية، ط3، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب، 2012
مصطفى الهاموس: ـ “أموات على قيد الحياة”، منشورات جامعة المبدعين المغاربة،2019.
طارق بكاري :
ـ نوميديا، رواية، الطبعة الثانية،2016 دار الآداب، بيروت، لبنان ـ
ـ القاتل الأشقر، دار الآداب، ط 1، 2019، بيروت، لبنان.
عبدالكريم جويطي :
ـ المغاربة: رواية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2016، المغرب.



اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :