الحسين الرحاوي  يكتب: هلوسات كورونية

21 مارس 2020

صار يلازم البيت كمن يجلس على حافة العالم متأملا حينا وفي أحايين كثيرة شاردًا…. ينفض عنه همومه وخيباته ليحملها ذلك الطائر التي اعتاد تكسير وحدته القاتلة لينثرها رمادا على أطراف الكون المترامية؛ ففجأة أصبح الجميع يعزفون أنغامه ويعيشون طعم وحدته وهمومه، جاشت الأفكار في خاطره اختلطت مع جحيم قلبه، أخذ نفسا عميقا كمن غاص في الأعماق لينثر همه على عصفوره، لم ينبس ببنت شفة حتى بسط الطائر جناحيه وطار طار… إلى أن غاص في قلب غيمة قاتمة.

تتبعه مغازلا غيمة الأفق؛ منتظرا نشيد الخلاص، واضعا خذه على ركبتيه وتارة يداه على خذه، يتساءل كيف تضيق به حجرته وكيف يغدو صدر العصفور أرحب من صدره؟ الجدران تنتحب، الجو خانق، الشوارع فارغة، الحياة شبه منعدمة…. حقا صار العالم غرفة مظلمة،

                                                       سننتظر الموت هنا جميعا بهدوء؟

جلست متسمرا أمام هامة العتمة، أتصدق بمشاعر الطيبة على كل من بعث لي برسالة؛ فلا الأهل ولا الرفاق ولا الأنيس معي الآن، فقط الوحدة الموحشة، تمر الأيام والأسابيع بنفس الوثيرة البطيئة كما لو كنا على قارب مخروم في عرض البحر..

كل ما أملكه قلم وورقة، وكلمات مبعثرة، أجدني أشذب وأهدب كعجوز ستينية متسكرة أمام خشبتين وخيوط متشابكة… ومذياع ينقل الحقيقة المريرة التي باتت تعشعش في وجداننا الجمعي، ولكن وجداننا معطل، صارت لنا القدرة على الهمس، ولم تعد لنا القدرة على الكلام… فمن لا يجيد إشعال النار حتما سيموت في فصل الشتاء لا محالة.

أصبح الجميع في الهامش دون حياة، وعنوانا بلا موضوع، ننتظر جميعا من يخلصنا من واقع الحال بعدما نسينا وتناسينا، ألم يكن جمال الدين الأفغاني على حق لما قال في أواخر حياته: لقد جاهدت في المسلمين زهاء أربعين عاما.. فوجدتهم جميعا مرضى لا علاج لهم إلا أن يقضى عليهم، تم يتعهد النشء الحديث، نحن الذين مجدت إنسانيتنا قبل انتظار الدليل، نحن من اعتاد الرقص على المآسي…

                                           ما هذا الشعور الغريب؟

                                                                    وما هذه الكآبة الجاثمة؟

يمني نفسه بأشياء لن تأتي، كأنه ينتظر قدوم جودو، يرفو بشراهة إلى تلك الأيام البائرة، لقد ألف إخراج الحب من قبعات السحرة، ومن ألسنة الرواة المهرة… يهرش رأسه، يتحسس ما سيأتي، أو بالأحرى ماذا وقع؟

على الركح ترقص الأنانية بلا قناع.. بعدما وضع الطمع’ الأرض التي يقودها ربان أعور(الاقتصاد) على فوهة بركان، عالم مرهون ينتظر نشيد الخلاص، ما كذبت سيدوري قط لما قالت لكلكامش: [إن الحياة التي تبغي لن تجد] الفيروس المستشري أو اللامرئي القاتل ما هو إلا نقطة صغيرة في بحر أنانيتنا المتضخمة، بعيدا عن شعارات الإنسانية والديموقراطية الزائفة التي تعمل كمساحيق تجميل تواري منسوب القبح الكامن فينا،

نظراتي الفاحصة تكشفكم جميعا، ولست على استعداد للهبوط، هكذا قال طائري المهاجر… إنه تعبير مجازي؛ أه نسيت أنكم لم تتلقوا دروسا في الأدب؟

-أمر مخزي فعلا، هذا التناسي المقصود يحتاج منا إلى تأمل: بالأدب نتأدب؟

أما أنا ففي الأخير اتهمت نفسي، حاكمتها… طرقت ثلاث مرات على السوار الخشبي تأكيدا، لكني أدركت متأخرا أن كل من حولي متواطئين.

الحسين الرحاوي – مدينة بني ملال

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :