أحمد الغرباوى يكتب: قَيْدُ أوْحَدُ حُبّ..!

26 ديسمبر 2020

ويَخفتُ بريقُ العيون؛ إباء رحيل تعلّق الوَجْدِ غَصب عَنْ.. ويَخْمدُ جَرس الحَيْاة لهو وجنون..

وماعادت الأفْرَاخ تتلألأ على سفح ضَوءِ الشّمْسِ ليلة عُرْس؛ وهى تتوارى وبقايْا ظلال لَهْوَها وعبثها خلف الأشْجار التى تمتدّ عاليا بروىّ قطيْرات عرقها.. وماعاد النبض يروحُ ويجىء عند رؤيتها.. ويتراخى الوتين دون رعشة.. ينجذب إلى الأسفل دهشة وبأس..

هل يحلّ خريفُ العُمْر نبوءة رحيل..؟

وغدت النوارس جافّة الحضور.. صاخبة الكرّ والفرّ.. تهاجرُ نحو المَثْوَى الأخير.. تلاحقُ رغاوى زَبَدٍ صلب.. وتنتحرُ وبَيْاض شَيْب تدفّق مَوْج..

وخدودٌ تتمسّح فى نعومة ملمس زجاجٍ.. يلينُ ويُبلل نوافذ ماضى عِشْقٍ.. تاريخٌ مِنْ الحُبّ فى الله.. لم يزوّره؛ ولم يلوّثه المستبدّين والأقويْاء والمحرومين.. حُبٌّ لم تعرفه إلا الآلهة.. ولايسبر غوره إلا الأنبيْاء..

كانت دائمًا تصمتُ أمام إفراط حُبّه.. واغترارها وتدلّلها بتلاشى الزمن وغرقها بشهد وجوده وتقطرات العسل بخلايا حرفه.. وتتقلّب أنوثتها بلذائذه التى لا تشبع منها قطّ..

وتهمسُ له:

ـ هناكَ أشيْاء أُخْرَى؛ لا تتحمّل المَرْأة فُراقها.. وبأكْثَر مِنْ (الحُبّ) تضحى مِنْ أجلها..

وهى تُكابدُ.. وهو يتأمّل ويتفّكرُ..أوّل مرّة يَشْعرُ أنّ فى غمر الحّب جهاد نفس..

وتنسى أنّه:
ـ بالنسبة للجسدِ؛ حرير السّلطان هو حرير الفقير الغلبان..
وأنّ للحُبّ زمانه؛ واختيارات أمْكِنَته؛ وفعل النفس جَبْر؛ وغلبة أمر.. وليْس حِيْاكة إنسان..

وأنّها غَيْر متشابهة.. مثل الوجوه؛ لَيْست واحدة قلوب البشر..
وإنْ أفرطت؛ وقدّمت لمَن لا يستحقّ.. ومنحت صادق اهتمام؛ لمن لم يقدّر.. فإنّ سنوات العُمْرِ لم تُهْدَر..
وهى تفارقه وتبعد، وكأنها لا تراه.. يُلاحقها:

 ـ إبداع الربّ فى جَمال حُبّ؛ هو يقينك لذاته؛ وإنْ القلب أخطأ؛ وتجاوز ظلّه وإنحرف عن مسارات خطوه؛ فأهان جلاله..
فاحرص على معالم (الحُبّ) وصفاته؛ وإنْ تتألم (حُبًّا).. ولم تستهدفه يوم ولدت كعابر سبيل.. وارتحلت والطرقات باحثًا عن الدليل… وبالجراح يكتملُ؛ فبُتر نهاية مصير..
ومن لم يُذِق جَرْح (حُبّ)، لم يتطهّر قلبه بَعْد.. وعليْه مُعاناة النّفس قَيْد صَوْم.. و.. وتبتلّ زُهد..

مَنْ يرى الوَجْه؛ مَدَى حُضْن الرّوحِ وصون الجَلْدِ؛ لَيْس كمن يسمع الإسم.. أو ينتشى بالمَعْنى.. و

ويأملُ مِنْ عشّ غراب؛ ببيض ودجاج سيحظى..!

،،،،

ولا يزل يحتضن جذر الشجرة الصلعاء.. وهى تسير بجوارها؛ قبيْل أن تتمايْل ولحمها الذى يختفى جلال إحرامه؛ قَيْد القميص الأبيْض الشفّاف.. وتتطاوح ورخصة قيادة سيارتها الجديدة السّوداء.. ولا تبال بقِصَر (الجيب الجينز).. الذى كان يتمسّح وجموح خياله وجنون عشقه..

ولا رجرجة اللحم المقدّس.. الذى كان يأبى أن يتماسّ وبوح عرقه.. ولا الرغبة العارمة لتحرّره خارج حافة أسوار (البوت) البنّى الكالح؛ وهى تركب سيارتها.. ويدها تدمن عجلة القيادة أكثر من لملمة جيبتها.. وستر ماتعرّى..

 إمرأة أخرى هى.. تمزّق شرنقة الودّ والسّكينة.. وتنفضُ عن قُربها رفرفة إزار الدفء والتدثّر.. وتستغربُ فى تأمّلها وترقّبها ملائكة الحُبّ، وهى تبعثر ندف الحَيْاء الثلجيّة التى تسّاقط منها.. غير عابئة بتلصص العيون.. وربّما سعيدة بلهاث وتدلّى لُعاب الرّغبات تجاهها..

ولا.. لا يزل يَعِش وَشْوَشات ورق الخريف النافرُ من أفرع الشجرة الصلعاء.. ماكانت تحتضن رائحة جوارها.. ويخشى أن يسير.. ويدنو غصب عنه.. فيتكسّر..

ولكنها كانت قد مرّت بسيارتها وهو يتأمّلها؛ غير مبالية، لتحطّم كُلّ الأوراق.. وتدهسُ الأفرع.. وآثار ينع خضرتها..

،،،،،

ويرتمى بحُضن الشيخ الطيّب المذكور فى كُلّ الأشعار والأوْرَاد والأسفار..

ويدفنه.. يندسُّ بداخله؛ تقوّس جنين برحم أمّ.. وهو يسحبُ نبت الشجرة الجافّ البُنّى من بَيْن يديه.. ويزيلُ القطع الصغيرة العالقة بأنفه.. ويحاول ُأنْ يقبضُ عليْها..

ويربتُ على كتفه.. ويمسحُ مَىّ جبينه:

ـ ولدى..
هى أوراق الخريف.. وليست ماتعودت بأريج الربيع القادم..
فصُنْ رِزق (الحُبّ).. ولا تدعه يسقطُ؛ فيتلوّث..
فى (الحُبّ) لم تكُن إمامًا.. بل كُنْت نبيًّا..
ولَيْس ذنب البشر؛ يغفلون عَنْ ذات الله.. ويراهنون على (الحُبّ)؛ لعبة قدر..
فأترك للعاشقين دُرّ الأثر..؟

ويتأمّله وكبرياءٌ ينهجٌ.. يمسحُ وجعًا يتجمّد.. يكادُ يهوى.. وبطرف عباءة الشيخ الطيّب يتشبّث.. ويتعلّق.. ويلاحقه وهو يتمتم:

ـ لا ياولدى.. أبدًا
ليْس (أنْت)
وليْس (الحُبّ) ماسَقَط..!

……

أحمد الغرباوى – مصر

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :