أحمد الغرباوى يكتب: (حنين) جرْحُ غُمْر..!

10 يونيو 2020


……..
كم حاولت.. ولنفسى أتعلّلُ.. ولا زلت..

وإليْها أحنُّ وأحنُّ..

أحِنّ إليْها؛ وأنا أصلّى وأصوم، وأتوسّلُ وأناشدُ وأناجى الله؛ كَىّ تُمْطِرُ غَيْماتى المُمْطرة ورودًا وأزهارًا..  فتتقاطرُ روحى حُبًّا.. وتشوّق يغادرنى.. ونحو ضفافها يزحفُ.. والحلم المستحيل بتماسّ عذب نهرها؛ يراودنى صحوًا وغفوًا..

أحنُّ إليْها؛ وأنا أحاولُ أن أتصلّ بتليفونها.. ورعشة يدى قَيْد جائحة الأطلال؛ وعبق الأمس بَيْن فُلّ وياسمين ورطب الظلال.. و.. وتتوقّف أنفاسى؛ يوم شقّ صدر كبريْائى وباء الإباء..
أحِنُّ الى أحرفها الصّارخة؛ وهى تتعالى بسماوات رقّة نَسْم.. ويتعانق رُقيّها لحظة قدومها، وهي تدلفُ تعبرنى والممرّات.. وبَيْن ضلوعى المزيّنة جُدْرَانها بأثوابها تدنو مُسْرِعة.. وأقلام تحبو بَيْن بضّ أناملها.. كم كتبت بها أمامى.. ومناديل حرير صغيرة؛ فى حجم ماسحة عدسات النظارة.. يوم مولدها يحتفلُ وطيفها فى نوفمبر كلّ عام.. ويكتبُ عليها بدمّه كلمة واحدة (يارب).. والتى دائمًا ما يرسلها إليْها.. وحتى الآن؛ لم تفهم معناها.. وصور احتفالات ومناسبات تجمعنا.. وأشيْاء صغيرة ورخيصة؛ تبوحُ له بمعانى كبيرة خلال الأعوام السِتّ العائشة بيننا ودوننا، وحضور دائم بغارِ قَلبى..
أحِنُّ إلى قامتِها ووشوشات كعبها العالى، وهى تتهادى نحو مكتبى.. عصفور يُغَرّد دلال غزال.. ويَسّاقط علىّ إجاب شوق روح ورضى ربّ..

أحِنُّ إليْها؛ مُجَرّد وَرْقة عالقة بفرع شجرة.. كُلّ أمنياتها فراشة تحطّ على خضرتها، حتى لا تشعرُ بالعُزلة..
أحِنُّ إليْها مُجَرّة شَوْق العبد الصّالح لتنوّع ثمار نخلٍ، بريْاض الرحمة والجُود والغُفْرَان..
يحِنُّ إليْها قلبى.. وبجنونِ يحاولُ الفرار..  يبحثُ عن مزلاج كبريْائى وصلد حيْائى؛ ليحطّم قَيْده..

أحِنُّ إليْكِ كحادى الجمال.. أجوبُ الصّحارى والفَيْافى.. وبموسيقاه أتمرّدُّ على الخَيْالِ.. وأمتطى شجونى، وأغزو البلاد البعيدة مداد حَيْاة وهديل حمام وعزف كمان سَحَر الجنون..
أحِنُّ إلى ضحكتِها الذهبيّةِ الخجولة.. التى تملأُ روحي بالزّينات.. وتحلّق بى؛ لأجرى فرحًا خلف فراشات ملوّنة..
أحِنُّ إلى غموض لفتةِ عَيْنَيّها.. وعناد صَمْتها.. وإباء لهفتى الطفوليّة.. العالقة بـ (جيب جينزها(..
وكُلّما تردّ تغضبنى.. وتختبرُ مدى نور قمرٍ؛ لا يفارق ليلى.. وترتدى (البنطلون الجينز).. وتهمسُ لى دون ان تنطق:
ـ أليس كلّه جينز ياعاشق الـ (جيب الجينز(..!
أحنُّ إليْها، وهى تضعُ قَدَميْها على ساعدى.. ونصعد صخرتنا على الشطّ  لَيْال الشتاء الطويل.. وتصعدُ حبيبى وترتقِ.. تضحكين وتصرخين:
–  يامجنون حَ  أقع..!
حبيبى.. لأسفل؛ لا تنظر أبدًا وأنا معك.. هات يديْك.. برقبتى تعلّق تميمة أيّامى.. هى أناملى، تدغدغ جنبيْك بنغمات نايْات أصابعى، وتتزمزم بمَىّ جِلْدِك..
أحِنّ إليْها.. وهى تُصرُّ ألا ترانى.. غَيْر عابئة بوجودى.. ولا تنصت إلى أحلامى بها؛ ورؤايْاتى الثامنة عشر التى كانت لها..

أحِنّ إليها؛ لألقى رأسى بدفء حِجْرَها، وأنا أعزف لها ألفَ حِكاية وحِكايْة..
أحِنُّ إلى الغرق وتماوجات بضّ كفيّها، بعد أن أرهقنى التّعب.. وأنا أجرى خلف مُهْرَة؛ على صهوةِ زمانٍ غَيْر زمانى تهربُ.. ويقتلُنى الظمأُ على سراب شهدها.. و
ولا أزل أنتظرُ أن تلوح لِى بظفرها، وهى ترفع طرف حجابها (الموف) .. وبطرف عَيْنَيْها ترمِنى، وتُنْزِلُ نظارتها الشمس السماويّة اللون.. سفح يمّ يهدهدنا دون مَوْت بالقاع.. ورزاذ ينتظرُ قبلات نورس عاشق فجر عمر بقيظ الشجن يصبرُ ويحتسبُ..
فى نهايْة الممرّ الصغير.. بَيْن مكتبها ومكتبى؛ يمتدُّ ويطولُ طريق عبثى.. ضيّقٌ من الدموع المُتَحجّرة.. وتفارقنى رأسى المتلعثمة فى تأرجح خطوها، تحمل حنينى إليْها..
أحِنُّ إليْها، وهى تدنو فى مرمى حُضن روحى.. و
ولكنها لم تكُن هى..
لم تعُد ما أحنُّ إليْها بمَرْمَى بصرى..!
وضوضاءُ.. صرخات صَوْت البوت العال.. عُرىّ ضحكات إمرأة؛ تلهو بتطاوح رُخصة قيادة سيارتها الملاكى.. وتجرى خلف صديقتها؛ دون الإحساس بقدسيّة جسدها شرنقة حنينى.. و
وبعنوة؛ يطيرُ (حنينٌ) متشبّثُ بهواجسى.. القطار فارغ.. ينتظرُ مَنْ أتى.. ولكنه – أيْضًا- لم يَعُد!
و(عصفور) القلب لم يعُد يبالىح إنْ تعلّم الطيْران أو فشل.. وشجرة التّوت التى كُنْت أتابعها؛ وهى تتهادى بجوار ظلّها حين تغادر العمل؛ عصر كلّ يوم غدت صلعاء.. و..

ولم يَعُد لى مِنْها غَيْر أوْرَاقٍ زابلة.. وإلى (حنينٍ) – لم يرحل ولم يَمُت – أيْضًا
أيْضًا أعُد..!
…..

أحمد الغرباوى – مصر

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :