لحسن أيت  بها  يكتب قراءة نقدية في المجموعة الشعرية أرض لا تصلح للحب للشاعر مصطفى ملح

4 يوليو 2022

جدلية الموت والحياة          :

يتوق الشاعر إلى الخلاص بالبعث، والحياة التي يصحبها الأمل، لقد مات كل شيء في نظر الشاعر، مات البشر الذين تصارعوا بينهم منذ أن خلق الله آدم، منذ ولادة البشرية، ومات النبات والشجر، ماتت المرأة ومات الطفل والجنود، والجالسين في المقهى، والمارين، مات جسد الشاعر وصار مومياء، وبقيت الروح، تعرج من الأرض إلى السماء، وتتيه على وجه الأرض باحثة عن الحب والقيم الإنسانية النبيلة، منفلتة من الآفات، والغدر، والتفجير والموت، والقتل، وإن مجازيا، ليكتشف بعد عناء البحث، وكد الكتابة، وصعوبة المعيش اليومي، وموت الضمائر الإنسانية، أن أرضه وإن كانت مكانا للحرب، أو صلحت لحرث فلاح، أو إنبات نبات أو عيش حياة، إنها مجرد أمكنة اعتبرت قبرا، أو صندوقا لمومياء، لهذا او ذاك أو للشاعر نفسه، إنها ارض يجري عليها الصراع، بين البشر والجن والشياطين، ويجري فوقها الظلم والبغاء، والولادة العسيرة، والزواج، وتحتضن الرصاص والبنادق، لكنها لا تصلح للحب…

هي ارض لا تصلح للحب

وعلى الرغم من كل شيء

من حقي أن اكون بسيطا كخبز فرن

من حقي أن أكون تجريديا كفراغ في جدارية

من حقي أكون متوترا مثل سيجارة بين شفتين

من حقي أن اكون اصطداما بين بويضة وحيوان منوي

من حقي أن اكون

من حقي ألا اكون.

هكذا يصنع الشاعر المصطفى ملح قوله الشعري، ببساطة، موغلا في أعماق النفس البشرية لغيره ولذاته، مستخدما المجاز والاستعارة، وكل انزياح تركيبي أو دلالي، او لغوي للوصول لمبتغاه، وهو رصد الواقع، والقرب من لغة الناس، وتقريب الإبداع إلى ما يطلبه الناس…ولعل في ديوانه لا أوبخ احدا انزياح  بنفس المعنى، لكن في ديوان أرض لا تصلح للحب اغلب القصائد طويلة من حيث عدد الأسطر الشعرية، فتحس بأنه طويل النفس الشعري، بحثت عن قصيدة ذات أسطر قصيرة فلم أجدها  إلا من قصيدته عن مدينته برشيد هي تقريبا الأقل من بين القصائد من حيث الطول، فرأيت أن الشاعر يبرع في الإيجاز خصوصا وأنه يكتب القصة والرواية، ولهذا فذكر الكثير من المعاني والأشياء، في قصيدة واحدة يعتبر أمرا لافتا ومهما، والشاعر المصطفى ملح يبرع في هذا الأمر، يستطيع أن يكتب لك قصيدة فترى فيها قصصا كثير واحدة توجد ضمن أخرى بغير انقطاع دون أن يخرجك عن صلب الموضوع,  ودون أن يفقد توهجه وحماسه، فيجول بك ويمتعك، ويذهب بك كل المذاهب، وأنت ما زلت في عين المكان من نفس الفكرة او من نفس الموضوع، يتقن الإيجاز، ويتقن نسج الاستعارة، ويتقن الإنصات للطبيعة ويتقن الإبحار في فهم ذاته وأناه، من غير تضخم في النرجسية، ولا افتخار ولا إظهار للقوة، فيغلب ضعفه على القوة، ويحتفي بموته، وكأنه يعيش تجربة الموت….

يقول في قصيدة برشيد كما أراها:

أنا الحي الميت: أخرج كل صبيحة من قبري

وأتسكع في الأدغال بحثا عن لقمة العيش

وأنا اعرف بأنني قد اعود وقد لا أعود

وفي المساء أستحم بدموع زوجتي وأنام.

الشعر عنده تجربة سريانية، ليست ترمي إلى الحزن، أو التشاؤم، بقدر ما تروم بناء جسر عبر الموت والمعاناة إلى الفضاء الرحب…

 وقوامه: الأمل والمحبة والبعث، يزهر من هذه الأشياء عالم مثالي، يرغب فيه كل إنسان، لكن الشاعر يسخر امكانياته ولوازمه وطقوسه الشعرية ليصله سواء مجازيا أو عبر التأمل، يحقق الحب المنشود، يرفل في مستنقعات المحبة والتسامح….

يصف برشيد فيقول:

برشيد وحش في غابة غير مسيجة

ومنذ أكثر من مئة عام والقناصون يفشلون في ترويضه

لم تُجد الرصاصات نفعا،

ولا الشباك المضفورة من شعر الجدات

ولا الرقية الشرعية أو غير الشرعية

منذ أكثر من قرن وبرشيد تأكل ابناءها

وترمي عظامهم

في تلك الحفرة الكونية التي تسمى العدم.

يريد الشاعر من مدينته برشيد، ألا تكون وحشا، وألا تأكل أبناءها، كما فعلت به أذ أصبح مومياء يخرج كل صباح من قبره للبحث عن لقمة عيش، يريدها أن تكون أرضا خصبة، تصلح للحب، وتصلح للحياة، وتطلع شمسها على الأمل والسعادة.

اما دلالات الموت فهي كثيرة، من خلال دلالات ومعاني كثيرة، لقصيدة المومياء تخرج من التابوت:

الموت يحيى والحياة تميت

دخول القبر سكينة والخروج منه قيامة

…… ………

المرأة تلد العدو

متى يقتل الجنود ابنهم الوحيد

يسرد داخل هذه القصيدة قصة جنود يبحثون عن العدو وهم يحملون شاحناتهم بعد تعبها مجازيا، ويصعدون الجبل، يضاجعون إمراه لتلد ابنا يبتسم، ليصبح عدوهم، وتمضي هذه القصة على هذا الشكل، ليتحول الى جندي اخر في اخر القصيدة يطلق رصاصة من بندقية، فيصيب بها نفسه… يموت في جميع الجنود في النهاية لتنتهي الحرب، ويعم السلام، ويبقى الله وحده منفردا.

كان منفردا في الملكوت

فردا أحدا في الملك كان الله!

…….. ……..

الحرب لم تنته اليوم

ومن المؤكد أنها ستنتهي غدا أو بعد غد

والمحارب البارع ليس الذي ينتصر في الحرب

وإنما البارع هو من يجد سببا لإيقافها.

وفي قصيدة ميكانيكي لإصلاح الجاذبية:

يصرخ الشاعر في وجه الارض، ويبرز معاناتها، نذكر منها:

الارض التي لا تصلح للرومانسية

الأرض التي يحركها الشيوخ كالخذروف

الارض التي تمكر بالسنونو والخطاف والدوري

الأرض التي تختطف الفراشات رهائن في أخاديدها

الأرض التي عرائسها بنات آوى

الارض التي لا أرض فيها

الأرض التي لا أحبها

الأرض التي لا تحبني،

الهامش:

المصطفى ملح، أرض لا تصلح للحب، عبور للنشر والتوزيع، 2022، الصفحات: 19ـ 84ـ 92ـ 102ـ 108.

لحسن أيت  بها ـ مدينة زاكورة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :