عبد المالك اجريري يكتب: الكلب الذي غيّر جلده

4 ديسمبر 2022




كعادته، يبسط يديه على كسرة الخبز بإحكام، ينتظر أن يطعمه الأخرون، الذين يجدونه أمام باب المدرسة،  خلال يوم من أيام نهاية الأسبوع، كانت أبواب المؤسسة مغلقة، ظلّ جالسا جنب حائطها يرقب المارة، وينتظر الشفقة من أحدهم، سيلان رذاذه ملأ الشارع العام، نباحه تسمع أحاسيسه من “واد لاو”، معدته تزقزق جوعا، لم يعد  قادرا على تحريك ذيله لنفاذ بطاريته، الساعات تمر ثقالا، الكلب يلهث عطشا ويتدور جوعا جنب الحائط، الليل يلقي بستائره، وكلبنا لم يجد طعاما بعدُ، زغبه بدأ يتساقط، وذيله بدأ الجدام يعلق به، فجأة تمر امرأة إسبانية ترتدي معطفا أسود اللون وقبعة، مع قفازات بلون حالك، أخرجت من حقيبتها السوداء طعاما، مازال الدخان ينبعث منه وكأنه خرج توًا من الفرن، وضعته على بعد أمتار قليلة منه، بدأ كلبنا يترنح، يلوح بذيله أمام العلن، ثم انغمس بشراهة ينهش الطعام، دون أن يرفع رأسه وكأنه لم يذق نعمة الله منذ عهد الفينيقيين، ظلت المرأة ترقبه على بعد مسافة ثلاثة أمتار تقريبا، وتتابع الشراهة التي يفترس بها.
هاهو كلبنا يرفع رأسه ويطأطئ به يمينا وشمالا، عربون شكر وعرفان للمرأة، تبتسم المرأة ابتسامة أنيقة وتهم بالانصراف، يتعقب الكلب خطواتها خلسة دون أن يشعرها بملاحقته.


تصل المرأة إلى منزلها، والكلب من خلفها، يقف قبالة نافذة بيتها، اعتادت المرأة أن تحتسي فنجان القهوة وهي تطل من الشرفة وقتها على نجوم السماء وتستمتع بهدوء الليل، وتستمع لعبد الحليم حافظ الذي تهواه حد الثمالة، أشعلت المرأة ضوءً خافتا وأعدت فنجانها وشغّلت بصوت خافت أغنية “حاول تفتكرني”، فتحت النافذة بيدها اليسرى و في اليد اليمنى فنجان قهوة، ترفع عيناها بإسهاب، تجد الكلب جالسا والبرد يرجفه حمى، يرنو بعينيه الجاحظتين نحو النافذة.
للمرأة قلب هش وإحساس مرهف، جعلاها تسارع الخطوات تجاه الكلب، حملته بين ذراعيها وهمت بإدخاله للحمام، الكلب يبتسم دون سبب، بدأت المرأة تزيل ثيابها استعدادا لغسل الكلب وتنظيفه من الأوساخ التي علقت به أثناء نومه في الشارع، الكلب يرقب المشهد ولعابه يسيل، أضحت المرأة مستعدة لتنظيفه، سكبت الماء الساخن والشامبو على جسده ثم أخذت تفركه، بدأ صاحبنا الكلب  يتأوه من شدة الانتعاش والارتعاش، ويصدر صوتا أنينيا وكأنه يستعطفها عدم الكف عما تفعله.
أضحى الكلب أنيقا بشعر مشع ورائحة جميلة تسمح له بالتبجح أمام رفيقيه من الكلاب، وضعته في ثوب قطني، جنب المدفأة، ثم نحت نحو غرفة نومها واستلقت على سريرها آملة في نوم عميق، نباح الكلب يعم المكان، يوقظها، تتجه نحوه وتمسكه، يصمت الكلب ويبدأ بضحك خافت، قد تقول عزيزي القارئ، إن الكلب لا يضحك، لكن كلبنا قادر على الضحك، بل وعلى فعلٍ  يعجز عنه الرجال، تمرر بيدها على رأسه وهو يخرج عالمه الغريب، أقصد الجزء المتدلي منه، تفهم المرأة بأن الكلب، يحتاج إلى تفريغ شهوته.
في الصباح تقدم له الطعام، وتأخذه مباشرة إلى الطبيب البيطري، ليكشف عنه، يخبرها بضرورة استئصال خصيتيه وإلا مات، تنظر المرأة إلى الكلب بحسرة وكآبة، تجد نفسها أمام حل وحيد لا ثاني له، يشرع الطبيب في العملية وينتهي أمر رجولة الكلب، تأخذه إلى منزلها في جو يعمه السكون،  عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلا، يشرع الكلب في العواء من دون توقف، تحمله المرأة على وجه السرعة إلى الطبيب، يفحصه فيخبرها بأن الكلب لم يعد كلبا، تخبره بأنها تعلم…
يجيبها قائلا: سيدتي يبدو أنك لم تفهمي قصدي، الكلب أضحى في حاجة ماسة إلى كلب آخر.



عبد المالك اجريري – مدينة الجديدة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :