سكينة عدي تكتب: عندما يحل الليل

4 يوليو 2022

عندما تزور النجوم السماء، ويحل السواد ضيفا على الأرض ينصرف قوم إلى النوم لنيل قسط من الراحة في انتظار بزوغ الشمس، وفريق يرى في ظلام الليل وهدوؤه فسحة لمناجاة ربه، فينصرف للعبادة. وللبعض عشاق ينزف القلب حنينا لهم، فيستغلون هدوء الليل للاختلاء بأصواتهم أثناء محادثة هاتفية شقية و رومنسية تنسج فيها الكلمات من الغيرة المصطنعة والتعابير المبالغة…. أما أنا… ماذا عساي أفعل أنا؟ والليل يزورني في ضجة فظيعة. ماذا عساي أفعل؟ وسيوف الحزن تارة أراها مغمدة تتربص بي، وتارة أراها تنهش قلبي كما تنهش  الضباع الجثث. ماذا عساي أفعل أنا؟ والظلام يصيبني برهبة تخلع قلبي من مكانه.

أجل أطفأ الأضواء كما تفعل كل الناس، وأسلم روحي للظلام، حبيبي المخيف، إنه وحده من  يجعل قلبي يدق كما تدق الطبول. وأجلس لأراقب شعاع ضوء ينفد من ثقب في نافذة غرفتي، إنه خيط الضوء الذي يناجيني بصمته قائلا:

– أنا هنا لا داعي للخوف.

إنه الشيء الوحيد الذي يدعمني في حربي ضد الليل. ولكن ما أشد الحلكة داخلي. سرعان ما ينال الحزن مني وأرى الظلام يشهر سيوفه لينقض على قلبي فيذبحه مرارا وتكرارا. حتى تتمكن الكآبة مني. فتخنقني الوحدة بوحشية لا توصف.

أما اليوم… فأي حرب هذه أخوض؟ رباه كيف أصمد إلى أن تعفو عني أطياف الليل. لقد اختفى سندي الوحيد بعد أن تعطل ملاك النور المواجه لبيتنا. هذا الأمر يشعرني بإحباط وضياع لم أشعر به قط من قبل. لا أعلم ماذا أصنع ولا كيف سأخلد اليوم إلى مذبحتي، كل ما أعرفه أنه يجب علي إطفاء الضوء حالا، لأن مصباح غرفتي قد يتسبب في رفع قيمة فاتورة الكهرباء، وهذا سيزعج أبي.

أطفأت الضوء رغما عن إرادتي وانصرفت للفراش. حملت هاتفي طمعا في أن أخوض في دردشة مع بعض الأصدقاء عساي أنسى عفاريت الظلام وأشباح الماضي التي تطوف حول رأسي، ولكني من أجد سوى الفراغ. بمجرد أن فعلت شبكة الأنترنيت حتى انهالت علي الرسائل من كل الجهات, إلا الرسالة التي تمنت أن تصلني، لم تصلني ولن تصلني. أخذت أجيب عن بعض المحادثات متجاهلة وضعي. ولكن أي الأحاديث هذه التي أخوض فيها؟ لم تزدني سوى البؤس، إني أعلم جيدا أن كل ما أقرأه نفاق وتصنع. كل شيء في هاتفي يصيبني بالكآبة… فأغلقته.

بمجرد أن ضغطت زر الاغلاق حتى انهالت علي جنود الظلام من كل الاتجاهات. لقد أصابت قلبي بوخز يقتل مئة مرة في كل لحظة. فتحت عيناي وحاولت النظر إلى السقف. إلاهي أي سقف  أبحث عنه؟ فكل ما يتجسد أمامي هو نفق لا حدود له من السواد. أغمضت عيناي فزعا. لم أستوعب ماذا ظننت نفسي فاعلة؟ فكل ما شعرت بيه هو أن جدران الغرفة تزحف تجاهي لتضيق حولي كما يضيق القبر حول الكافر. لا بد أنها تحاول مساندة الوحدة لخنقي أكثر فأكثر. لا بد أن الليل يحاول دفني اليوم حية.

لا أنكر أني أصبت بجزع فضيع، لكني حاولت أن لا أبكي. مازلت أحاول الصمود. مددت يدي  أتلمس تحت وسادتي بحثا عن هاتفي، كي أضيء غرفتي وأطرد أشباح الظلام، لكني لم أتمكن من العثور عليه. تصلبت في مكاني وأحسست بوجداني ينهار. أحسست مع كل نفس أتنفسه أنه سيكون آخر شهيق في حياتي. لقد وصلت إلى نقطة إنهياري، لا أفهم كيف تغمر هذه الحمم الحارقة وجهي، إلا أن عيوني لم تجد سبيلا للتخفيف عني سوى ذرفها. أمضيت ساعات أو شهور أو سنوات، لا أعلم كم من الوقت بالضبط فربما قرون بحسب ما تشير إليه ساعة فؤادي أحتضر في صمت. أحتضر وأحتضر ولكن المنية أيضا تخشى دخول غرفتي المظلة.

وأنا أصارع الدموع في عيني أبصرت ضوء خفيفا يطل من تحت سريري، كما سمعت صوتا أعرفه جيدا. إنها رنة هاتفي. مددت يدي في لهفة وسحبت هاتفي من تحت السرير، في هذه اللحظة أكثر ما خشيته هو أن ينطفأ الضوء قبل أن أصل إلى مصدره. لكني التقطته في مشهد أشبه ما يكون بمشاهد أفلام الرعب.

أشعلت هاتفي أتفحصه فإذا بي ألمح الرسالة التي طالما انتظرتها بارزه على الخلفية. انتابني سرور لا أشعر به سوى مرات معدودة في حياتي. فتحت الرسالة، وقرأت في حنين:

مرحبا، كيف حالك؟

 أجبت متصنعة اللامبالاة:

الحمد لله ماذا عنك؟

وهكذا استمرت المحادثة لي فترة من الزمان، إلا أني لم أتحمل تعلقي بتلك الرسائل، علمت أنه علي أن أنهي المحادثة قبل أن أورط نفسي في شيء آخر سيزيدني كآبة. فكتبت في انكسار:

– أرجو أن تدعني وشأني ولا أريد رسائل منك بعد الآن.

ثم أطفأت هاتفي ووضعته جانبا وخلدت للنوم. لم تعد أطياف الليل تصيبني بشيء فالحزن داخلي الآن أعمق من فوبيا الظلام التي تسكنني…

                                    النهاية

سكينة عدي – مدينة مكناس

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :