رشيد سكري يكتب: ” أقلام ” المغربية والقضية الفلسطينية

12 يوليو 2022

 

   خمسون سنة مرت على العدد الأول من مجلة ” أقلام ” المغربية ، بما هي عبرت ، لعقود ، عن طموح وآمال في التغيير نحو الأفضل . الالتزام ، و الأخلاق ، والدفاع عن المواقف كان هو الخط التحريري الذي التزمت به المجلة تجاه قرائها . فكانت مواجهة الواقع ، إحدى الوسائل الكفيلة لإبلاغ الصوت ، الذي ظلت تدافع عنه المجلة منذ صدور العدد الأول ، قبل توقفها ، لتستأنف مسارها من جديد بعد ذلك . والميزة الأساسية ، التي انفردت بها المرحلة الثانية من عمر المجلة ، أنها وسَّعت من طاقم هيئة التحرير ، بل أصبح مستقلا لتضم أسماء لامعة في المشهد الثقافي المغربي ، فإلى جانب محمد عابد الجابري الفيلسوف ومحمد زنيبر نجد عالم اللسانيات الدكتور ادريس السغروشني ، فضلا عن المؤرخ وعالم الاجتماع محمد القبلي ، بالإضافة إلى الدكتور والطبيب عبد الكريم العمري المتخصص في الأمراض المعدية . إنها شلة من المثقفين المغاربة ، الذين حملوا لواء التنوير والنقد بهدف البناء ، والتخلص من إرث استعماري أثقل كاهلهم ، فانفتحت تجاربهم الإبداعية على أسئلة السياسة والوطنية والقومية .

   إن إنشاء مجلة ” أقلام ” المغربية صادف ، في بحر الستينيات من القرن الماضي ، أنشطة اتحاد كتاب المغرب ، الذي كان ينظر إلى الواقع المغربي نظرة ملؤها السعي نحو خلق واجهة ثقافية جديدة ، تقطع الصلة مع واقع موبوء أمهضه سياسة الاستعمار، وذلك عن طريق طمس الهوية المغربية ، وتكريس التبعية العمياء اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأخيرا ثقافيا . وفي خضم هذه الريح العاتية ، التي تتقاذف مصائر البلاد والعباد ، ارتأت مجلة ” أقلام ” إلا أن تعطي أولوية للمثقف المغربي ، الذي دخل غمار التحدي الحقيقي في مغرب ما بعد الاستقلال ، بهدف استكمال التحرير ونشدان الحرية ؛ وتأسيسا لمشروع ثقافي واعد ، من خلال المثقفين المغاربة العضويين أمثال : محمد عابد الجابري و عبد الله العروي ، ومحمد القبلي إلى جانب عبد الكبير الخطيبي و محمد إبراهيم بوعلو واللائحة طويلة  …

    كان الوعي ، بأهمية التخلي عن الصورة النمطية السلبية ، التي انطلت على المثقف المغربي ، أمرا في غاية الأهمية ، وذلك عن طريق رفض الانغلاق على الذات ، وجعل الانفتاح فانوسا يضيء عوالم الجهل والتخلف ، ويقضي على تبعات الاستعمار. إن ” أقلام ” راهنت على التحدي بخلق أسباب ثقافة جديدة ، تعمل على بلورت تصورها طيلة أعدادها ، التي وصلت إلى حدود بداية الثمانينيات إلى خمسين عددا ، قبل أن تستأنف مجلة ” فكر ونقد ” الخط التحريري الذي دشنته مجلة ” أقلام ” . ففي طيلة هذه الأعداد نجد مواضيع تعبر عن حساسية جديدة تجاه الذات و الموضوع ، بما هو يراهن على التنوع والاختلاف .

  فمن بين أهم المواضيع ، التي استأثرت اهتمام المجلة ، في عددها الأول الصادر في ماي 1972 ، نجد مقالين ؛ أولهما للمناضل اليساري عمر بنجلون تحت عنوان ” القضية الفلسطينية ودور المثقف المغربي”  ، وثانيهما للدكتور محمد الأخصاصي الذي عنونه ب ” ” القضية الفلسطينية ؛ كيف نعرفها ؟ وكيف نعرف بها ؟ ” . فالأستاذ عمر بنجلون اعتبر نصرة القضية الفلسطينية وجها من وجوه التحرير ، إذ يقول ” فإنه من اللازم كذلك أن ننطلق من حقيقة بديهية ، ألا وهي الموقف بالنسبة للقضية الفلسطينية فكريا وعمليا لا ينفصل عن الموقف بالنسبة لقضايا التحرير ” (1).

  فبعد نكبة 1967 ، تصاعدت لغة التكتيك ، التي ترمي إلى تصحيح الأفكار المهيمنة على الفكر القومي والتخلص من وثنيته ، فمن بين النقط الحاسمة التي دافع عنها عمر بنجلون ، في هذا المقال ، هي : حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، بعيدا كل البعد عن المزايدات الأيديولوجية ، التي تفرغ القضية من محتواها ، كما وجه نداء قويّا إلى كل الفصائل المتناحرة ، التي تمثل الشعب الفلسطيني إلى توحيد الجهود والصفوف ، لرفع لواء الوحدة والتضامن من أجل نصرة قضية التحرير . أما بالنسبة للدور الذي سيلعبه المثقف المغربي ، في خضم هذا المعترك الحامي الوطيس ، هو التعريف بصراع سياسي مفتعل ، ومدعم من طرف الامبريالية العالمية ، بغية خلق وطن مستقل ليهودية العالم ، وبالتالي زرع كيان دخيل في قلب الأمة العربية ، هدفه القضاء على آمال الشعب العربي  . فالمثقف المغربي ، بهذا المعنى ، معني بهذه التحولات العالمية في ظل الانتماءات الحزبية ، الساعية نحو فرض أمر الواقع في مختلف المنابر الوطنية والدولية .

  أما الدكتور محمد الأخصاصي ، في مناظرة حول ” فلسطين ”  التي ألقيت ، بجامعة محمد الخامس في نونبر 1971 ، بكلية العلوم ، تحمل عنوانا ” القضية الفلسطينية ؛ كيف نعرفها ؟ وكيف نعرف بها ؟ ” ، فإنه ركز على المواثيق الدولية ، التي منحت للشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره . وفي هذا المضمار بسط الأخصاصي أهمية الثورة ، التي يخوضها الفلسطينيون في تحرير أراضيهم من الاحتلال ، وبناء مجتمع ديمقراطي شعبي يتسع للعرب  واليهود على أرض فلسطين (2) . وبهذا كانت المواجهة مفتوحة بين طرفين غير متكافئين ؛ كيان استعماري مجهز بأحدث الوسائل والتقنيات فتكا وتدميرا ، ومجتمع أعزل شـُتت وهُجّر ، من بلده قسرا ، إلى أكثر من وطن فوق هذه الأرض . بالموازاة مع ذلك ، فلهذه المواجهة ، حسب محمد الأخصاصي ، أبعاد ثلاثة أهمها :

أ ـ البعد القومي : صرح الكاتب أنه ثمة ارتباط عضوي بين المصيرين ؛ العربي  والفلسطيني ؛

ب ـ البعد الطبقي : ومن أهم مرتكزاته ، تحرر الطبقة العاملة والمثقفة من القبضة الحديدية التي تمارسها قوى مساندة للمد الإمبريالي في المنطقة العربية ؛

ج ـ البعد الأممي : يعرف هذا البعد بالقضية الفلسطينية من زاوية الصراع بين الشعوب التواقة إلى التحرر وتقرير مصيرها،  و قوى تريد فرض هيمنتها على الموارد الطبيعية ، واستغلال النفوذ ، بهدف التحكم في البلاد والعباد .

   فمجلة ” أقلام ” المغربية ذات الخط التحريري المنفتح ، على كل القضايا الوطنية والدولية ، كانت نقطة مضيئة في الساحة الثقافية المغربية والعربية ، حيث كان سندها ، الأول والأخير ،  هو التفكير الحر و الديمقراطي ، بمختلف تمظهراته السياسية  والاجتماعية والثقافية ، بل أضحت منارة لمنبر حر طيلة عقدين من الزمن تقريبا ، إذا لم نستثن مرحلة نكوصها وتوقفها عن الإصدار ، بفعل عوامل مادية بالأساس .

  فالمثقفون المغاربة كانوا ، ولايزالون ، دائما في قلب العاصفة ، التي تنخر كيان الأمة العربية ، بإمداداتهم المعرفية والفكرية الرامية إلى تنوير الرأي العام الوطني و العربي والدولي أيضا ، مادام واقعُهم السياسي ، لازال صالحا للإمداد و للإبداع .

إحالات :

  • عمر بنجلون ” القضية الفلسطينية ودور المثقف المغربي ” مجلة أقلام المغربية ، دار النشر المغربية ، ماي 1972، ص.3
  • محمد الاخصاصي ” القضية الفلسطينية ؛ كيف نعرفها ؟ وكيف نعرف بها ؟ ” ، مجلة ” وأقلام ” المغربية ، دار النشر المغربية ، ماي 1972، ص.21

رشيد سكري – مدينة الخميسات

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :