الياس الخطابي يكتب: الخيانة

27 أبريل 2022

الحب لعنة .هذا ما قالته لي متسولة في باب المقهى، لم اواكب سيري، وقفت، تأملتها، اخرجت الهاتف من جيب السروال، أطفأت الموسيقى. حدقت فيها، من اخمص قدميها الى قمة راسها، ملابسها متسخة، عيناها تدمعان . انسانة نحيفة، لا تنتظر شيئا، سوى الموت، يا لها من حياة، حياة قذرة، ليس لها اي معنى ، الموت بصورة اخرى . قلبي خفق بعنف . لا اعلم كيف اتعامل مع المواقف التي تشبه هذا الموقف ، عائلتي لم تربني على شيء، سوى قساوة القلب ، الذين يخونوني اسمح لهم ،لكنني لا اقدر على العودة معهم ، أتناسى ،لكن الألم يبقى ، يأبى ان يندمل . الصفح هو ان ننسى ما حدث ،ونبدأ من جديد. لم اتعلم هذا اطلاقا، قرأت عنه كثيرا، ورأيت الناس افئدتهم مثل افئدة الطير، ان هؤلاء هم من يستحقون الجنة. اذرف دما، حينما أرى الناس تتعانق مع الذين أخطأوا في حقهم، ينسون ويبدأون من جديد ،ويواكبون السير. يعلمون جيدا ان التجارب الإنسانية فيها اخطاء ،وتقلبات كثيرة.

ذاكرتي رجعت بي الى الوراء ، تذكرت عمي وجدتي ،اللذان رحلا الى دار البقاء منذ امد ، اعرف الكثير من الناس رحلوا عن هذه الدنيا ، لا اتذكرهم سوى في الأيام الأولى، التي سمعت خبر وفاتهم .اما  جدتي وعمي فذلك امر آخر ،اتذكرهما ليل نهار ، علاقتي بهما لم تكن عادية، كعلاقتي بالآخرين . لا اتذكر جيدا كل الأيام التي عشتها بجانبهم، كل ما اتذكره هو انني كنت احبهما كثيرا .

سألت العجوز بصوت خافت:

-ماذا حدث لك حتى تقولين ان الحب لعنة ! قبل ان تقول شيئا ، اضفت : الحب افضل ما يوجد على  هذه البسيطة ،وبه نجعل الحياة ممكنة ومحتملة ، لو كان الكره وحده لكانت الحياة جحيما .

دمعت عيناها ، لم اعرف كيف اواسيها ، وماذا اقول لأخفف عنها ، سمعت مرارا : النساء يبكين كثيرا ،احيانا بسبب ،وأحيانا يبكين بدون سبب .

الإنسان يبكي بدون سبب ، عجيب وغريب . حينما تضيق بي الحياة ،احاول ان ابكي ، لكنني افشل ، كأن مقلتاي جفت من الدموع . لكن بكاء القلب اقسى من بكاء العيون . الذي يبكي بداخله ، يكون حزنه اعمق بكثير .

مسحت عينيها وقالت :

-اعطيت روحي وجسدي لشخص ظننته انسانا، لكنه ابن قحبة ، انسان بدون ضمير . انسان ضاجعني ، حملتمنه  ،حينما انتفخت بطني ،تركني وفر ، غير البلاد ، لا اعرف اين ذهب ،ولا يهمني ذلك ، حتى حياتي لا تهمني ، الدنيا هي هذه يا ولدي ، هناك اناس يعيشونها ،يشعرون بحلاوتها، يعيشون الفرح اكثر من الحزن ، هناك آخرون لا يعيشون ،يولدون ليتعذبوا وليتعذبوا ،يعيشون جحيما ، هذا لا يهم ايضا ، الله خلق الإنسان في كبد ،والذي يشقى  كثيرا في الدنيا سيسعد في الآخرة . حياتي مضت كما مضت حياة أناس كثيرين مثلي ، الذي يهمني ابنتي

حينما قالت ابنتي ،حمدت الله كثيرا ، وسررت بكونها لم تقتلها . سألتها مرة اخرى :

-ابنتك ما بها ؟

ظلت فترة وجيزة ،تحدق في الفراغ ، وفي الداخلين والخارجين ، ثم قالت :

-ابنتي الآن تبيع جسدها بسببي ، لو لم اتسرع لما حملت ،ولما ولدتها ، الإنسان عليه ان يلد ،حينما يقن انه سيأتي بمن هو افضل منه ، الذي ياتي بمن هو اخبث منه ، عليه ان لا يقترب للزواج ، ان يستمني افضل .

صمتت . حشرت رأسها في في الأرض . لم اودعها . دخلت للمقهى ، حدقت في كل الزوايا والجالسين وخرجت ، شهيتي انعدمت . حينما عدت ، رددت في الطريق :

-الحب لعنة .

الياس الخطابي –  مدينة الحسيمة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :