محمد بن صالح يكتب: البطالة ما البطالة وما أدراك ما البطالة…!

15 فبراير 2021
 
أحقا زماننا اليوم فاق زمان الغاب..
فإنْ كان “جون لوك” يعتبر أن الحياة البدائية حياة بلا سقف..
فإنَّ حياتنا الآن يا لُوك، حياة بلا سقف ولا أبواب ولا نوافذ ولا أمل..
والفقراء أمثالنا كانوا الضحية..
ضحية كل شيء..
في وطننا العربي يوجد ملايين البطاليين..
وأكثرهم فقرا وبؤسا وازدراء حاملي الشواهد العليا..
يعيشون بلا عمل..
يعيشون عالة على آبائهم..
يعيشون روحا بلا جسد..
يعيشون على أمل العيش..
يعيشون والسلام..
الفقر ينخر أرواحنا، والإملاق يسرح في دمائنا..
وإنْ كنا لا نموت جوعا..
فالموت جوعا أفضل من حياة، نموت فيها قهرا وعذابا ومعاناة..
ماتت أرواحنا
ماتت أحلامنا
ماتت آمالنا
مُتنا في نظر أنفسنا
مُتنا في نظر الآخرين وازدرائهم لنا
لقد دفنا أرواحنا في مقابر السماء..
وبقينا أجسادا فارغة، تنفخ الأرض فيها رزاياها..
قال لي صديق ذات يوم: ماذا سنفعل دون مال.. أنذهب عند دُكان للمواد الغذائية، ونقول له، اعطنا الخبز والزيت والسكر، على أساس أنني قرأت اليوم كتابا..
أنقول لصاحب الخضر، اعطنا البطاطيس، والطماطم، لأنني حاصل على شهادة عليا.. أنقول لصاحب الكراء، لا نملك ألف وخمس مائة درهم، فقط لأنني قرأت هذا الشهر ثلاثين كتابا.. أنقول لصاحب الحافلة لا أملك تذكرة سفر، ألم تعرفني فأنا روائي…!!!
تساؤلات صديقي تساؤلات فلسفية عميقة، وإن كانت تبدو بسيطة..
وهنا نتساءل..
ما نفع شواهدنا التي أفنينا عمرنا في الحصول عليها..
ما جدوى ضياع عشرين سنة في المدارس والجامعات..
أجمل سنوات عمرنا ضاعت في الدراسة وضعنا معها..
شواهدنا الجامعية صارت ميتة لا تنفعنا في شيء..
ما كنا ندرسه شيء والواقع شيء آخر..
شواهد لا تتماشى مع متطلبات سوق الشغل..
كل ما درسناه لا نستخدمه في حياتنا اليومية..
أي دور لهذه الشواهد ..!
ما عدا تعزيز بها سيرنا الذاتية، ونحن في كل صباح نطوف الشوارع، والأزقة، والدروب، والظلام، والشتاء، والمدن… بحثا عن عمل..
بحثا عن شركة تَحرُث علينا
بحثا عن معمل يمصّ دماءنا
بحثا شقاء نحارب به بطالتنا
جوعنا
ازدراءنا
معاناتنا
ضياعنا
في الأخير.. ما إن يعرفك تحمل شهادة عليا، يرفض تشغيلك ولا يتسلم حتى سيرتك الذاتية..
وإن قُبلت من طرف البوّاب، يرمى بها في حاوية القمامة بعد مغادرتنا
أصبحنا حميرا.. نبحث عن هَمٍّ يحرث علينا أرضه والهَمّ لا يرضى بنا..!!!
ماذا أقول لأمي ونفسي ترجع لها كل مساء خائبة الأمل..!
المسكينة تفتح لي الباب بابتسامتها المعهودة، وكلها أمل أن أقول لها: قد وجدت شيئا، وجدت عملا، وأدخل السرور لقلبها، وأُصبِح مسؤولا مكان والدي الذي غادرنا منذ طفولتنا – رحمه الله –
يا أماه.. سامحيني
ها أنت تري كل الأبواب أوصدت في وجوهنا..
ماذا أقول للفتاة التي أحبت شخصا مثلي..!
ماذا أنا فاعل…! وقد وثقت بهذ المخلوق
فانتظرته لسنوات، وكلها أمل نجتمع سوى، ذات يوم، تحت سقف واحد، وهذا اليوم لا يريد أن يأتى..
ما يأتي إلا البؤس
ما ذنبها ..! وما ذنبي..!
حاضرنا ضاع ومستقبلنا يبدد فوق براميل الجحيم
لم يُحْكَ لي من قبل أن هذا العالم مُخيّب للأمل..
كنّا نريد أن نحدث آثرا في هذه الحياة
نبدع
ننتج
لكن..
هذا العالم يرفضنا..
يرفض أن نكون سعداء، والشقاء مكتوب على جباهنا
عالم يتلذذ بعذابنا
عالم يروق له أن نكون بؤساء
عالم يعاكسنا، لا يريد أن ينصفنا
أوطاننا الجميلة أوصدت أبوابها في وجوهنا الكئيبة، وتركتنا نتعذب في صمت مع ذواتنا العليلة..
أين أحلامنا..
أين آمالنا..
أين إبداعاتنا..
أين أفراحنا..
أين..أين..أين..
بنينا أحلاما وأحلاما، وانهارت هذه الأحلام قبل أن تبلغ عنان السماء
في زمان لعين.. صار همنا لقمة العيش
البحث عن رغيف يسد قراقر بطوننا
هكذا أصبحنا لا شيء..
 
محمد بن صالح – مدينة تازة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :