حياة عبداللوي تكتب: أربعة أشهر وعشرة

25 سبتمبر 2022

لازلت أتذكر تلك الساعة بكل تواريخيها. لازلت أرتعش من تلك اللحظة التي جاءت فيها أنباء عن وفاة والدي. كان ذلك اليوم يوم الأربعاء 25/09/2002 على الساعة 7:30 صباحا كنت أحضر الفطور للذهاب إلى المدرسة. لأن أمي وأخواتي ذهبن مع والدي للمستشفى. كانت معي ابنة خالي كريمة تنظر من نافذة الغرفة حتى لمحت خالتي آتية باتجاه بيتنا وتصرخ بصوت عال. صاحت كريمة حياة حياة إنها عمتي حليمة آتية وهي تبكي. تركت الشاي وركضت باتجاه النافذة فوجدتها هي تنحب أبي بكل ما أوتيت من قوة …لم أشعر حتى وجدت نفسي في الباب. لم أعلم كيف نزلت من الدرج. كان همي الوحيد أن أعانق خالتي وتكذب نبأ وفاة والدي صالح” ذلك الرجل الحنون. ذلك الطفل الصغير، ذلك الأب الأخ، الأب الصديق والأب الأب. رجل اجتمعت فيه كل الخصال.. أحبنا كل الحب أهدانا الحياة. علمنا فنون القتال مع الزمن. ضحى بالغالي والنفيس من أجلنا. حارب نعم حارب حتى تلقينا أحسن تعليم وحتى حظينا بأحسن تربية.  وقفت خالتي حليمة أمام الباب وهي تتخبط في أساها اجتمع الناس حولها أناس يمشون وأناس يأتون والحمد لله لم اسمع أي كلمة قبيحة في وجه والدي؛ فالكل يقول عاش كريما ومات كريما كان “مقناع” كان ولد الناس شاد فمو.

مات في المستشفى الإقليمي لبني ملال كانت معه أمي وأختي فهي من لقنته الشهادة وقرأت عليه القرآن حتى وافته المنية . أتوا به في سيارة الإسعاف. كم آلمني ذلك المنظر بقيت متأثرة لحد الآن من تلك السيارة فكلما رأيت سيارة الإسعاف أحس بالقشعريرة تملأ أنحاء جسمي. طلبوا مني أن أدخل عليه لأقبل وجهه لآخر مرة في حياتي لكني لم أستطع لكثرة حبي له لم أستطع أن أرى ذلك الرجل ممددا بلا حراك. فأنا لم أعهده إلا ضاحكا ولم أعهده إلا معانقا إياي لم أعهده إلا مناديا أياي “حياة لحياة” فلماذا أدخل وماذا أقول وما العمل؟؟؟.

دفن صالح ودفنت معه كل ملامح السعادة كل كلمات الحب وكل الحياة. رجعنا إلى المنزل بكل أسى هذه تنوح والأخرى تبكي وأنا أرثي أبي حبيبي، أرثي صديقي وأرثي أبا لم يكن إلا أبا وفيا أبا أخا وأبا حبيبا. في اليوم الموالي وضعت أمي ملابسها ولبست ملابس العدة. أبيض في أبيض كتلك الأميرة أصبحت أمي. خبئنا كل المرايا بالورق حتى التلفاز وضعنا عليها غطاء منديليا كي لا ترى أمي وجهها هناك لا أعلم هل هي عادة أم عرف لكنها اتبعتها. ابتدأت العدة وابتدأت المعاناة. كنا نجتمع أنا وأمي وإخوتي في غرفة واحدة ننحب أبانا ننام مع 8 ليلا. نغلق كل الأبواب بالمفاتيح ورغم ذلك يزال الشك أن هناك شخص ما سيقتحم البيت. نستفيق على البكاء وننام على البكاء. حتى دراستي لم أعد بالي بها لا أراجع دروسي دائما شاردة الذهن وأفكر في معاناة أمي الحبيبة لم تخرج من البيت طوال العدة ولم تجلس مع الغرباء قط. لا تسلم على أحد تنظف جسمها فقط بالصابون حتى لا تشم فيها أي رائحة قد تجذب الآخر فهي حريصة كل الحرص على أن تحصن عدتها. أناس يأتون وأناس يمشون وكما يقول المثل المغربي ما يدوم فالقبر إلا مولاه. كنت أفرح عندما أجد الناس في المنزل أحس بالدفء.  لكن سرعان ما يتجمد ذلك الإحساس عندما يذهبون. نتجمع حول أمي المسكينة بثيابها الطاهرة نعانقها ونبكي تحتضننا تصبرنا وتقول هذا مكتاب الله حتى واحد ما بقى عندو  والديه الدايم الله عبارات لازالت راسخة بذهني حتى اليوم .

هي كانت تواسينا لكن من سيواسيها في فقدان زوجها ورفيق دربها منذ أن كان في عمرها 15 سنة. فهي لم تعرف سواه. من سيواسيها ومن سيهون عليها مرارة الألم، مرارة الفراق ومرارة الزمن التي كانت أشد.       تمضي الأيام يوما بعد يوم وأيام العدة تريد أن تنقضي. مرت 4  أشهر و 9 أيام يوم بيوم بكاء ثم بكاء نحيب ورثاء. أتى اليوم العاشر نزعت أمي لباسها الأبيض ونزعت بعض الحزن معها. كشفنا عن المرايا فكشفنا عن أسانا الذي كان مستورا وراء المرآة كشفنا عن ذبولنا شاهدنا التلفاز فبدأنا الملاحظات هذا فيلم يتحدث عن أب يعامل أطفاله بلطف فأبكي …انفتحت عن المحيط الخارجي فبدأت الصدمات . .كيف للإنسان أن يعيش بلا أب وبلا مناداته أبي. دائما ما كنت أتجه صوب مكان خالٍ وأصيح بكل ما في وسعي باااااااا أبكي بصوت مرتفع وأناديه مرات عديدة لكن لا يجيب فأعود لمنزلي  وحيدة مكسورة القلب والخاطر.

انقضت 4 أشهر وعشرة لكن معاناتنا لم تنقض لحد الآن مازلنا نتذكره فنبكي نتذكر معاملته فنضحك. نضحك ونبكي. كلما تذكرناه نطلب له الرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى. ما من طعام حلال سقانا نرجو من الله العلي القدير أن يجعلها في ميزان حسناته وأن يرزقه رفقة الأنبياء. تأتي المناسبات والأعياد وأين هو الإحساس بالسعادة .أي عيد يمر نتذكر أبانا صالح وما العيد إلا باجتماع الأحباب. فكيف للسعادة أن تطرق الأبواب وأنا أحس بفلذة كبد مقطوع. شعور كان ينتابني في كل مناسبة. أحاول جاهدة الضحك والتأقلم مع الأجواء لكن شيئا ما يمنعني، شيئا ما يحول دون ذلك. ذلك الشيء هو نصف قلبي المبثور الذي طالما حاولت جاهدة إيجاد بديل له فلم أحض. بحث عن السعادة بلا حضن والدي فلم ألق. بحث عن دفء بلا صالح فلم أجد.

ملاحظة: كتبت هذا المقال وأنا في سن 17. لا أستطيع أن أغير حرفا الآن؛ لأن أحاسيسي كانت صادقة ونابعة من قلب قد احترق. دونت ما ظل راسخا بذهني من مرحلة الطفولة؛ فوالدي توفي عندما كنت صغيرة.

 دعواتكم لوالدي بالرحمة

حياة عبداللوي _الفقيه بن صالح

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :