حسن بوجات يكتب: فاطمة المرنيسي.. مسار مناضلة

17 أبريل 2022

حين عزمت على كتابة سيرة غيرية للمرأة –بالدرجة الأولى-، والمؤلفة الكبيرة فاطمة المرنيسي، عاهدت نفسي على ألا يكون هناك تقصير مني، وإن غفلت على شيء فلجهلي به.

فاطمة المرنيسي، المناضلة في ميدان استرجاع الحقوق، كما أحب أن أسميها. ولدت بمدينة فاس المغربية سنة 1940،  وسط عائلة ”محافظة”، في حريم لا يعترف للنساء بحرية ! وجدت نفسها وسط النساء، يتم إبعادها تمام الإبعاد وبشكل تعسفي عن مكان تواجد الرجال! عاشت كابوس الفصل منذ أول أيام حياتها! قبلته في البداية بحكم ضعفها ولا حيلتها، لكنها سرعان ما ثارت عليه، ودعت إلى ذلك في جل كتاباتها.

كانت ”المرنيسي” من أكثر النساء دفاعا عن النساء وحقوقهن المهضومة في مجتمعاتنا الإسلامية، أين لا تعدو المرأة كونها كائنا ضعيفا في حاجة دائمة إلى الرجل ! يمارس عليها سلطته من جهة ! و” يدافع عنها من جهة أخرى.”

حازت ”المرنيسي” عدة شواهد أكاديمية مهمة جدا، بحيث كانت عالمة اجتماع يحسب لها، نظرا لجرأتها الكبيرة في الخوض فيما كان يظن ممنوعا! لقد كسرت حواجز الحريم، ونادت : أيتها النساء اخرجن من حريمكن رافعات رؤوسكن، ولا تبالين بما يقال لكن أو عنكن .. عشن.

وقد توفيت الكاتبة، التي مرت من مسار حافل بالعطاء، في يوم 30 نونبر 2015.

لفاطمة ”المرنيسي” مؤلفات عديدة جدا، وهي مؤلفات مهمة جدا، :

  • ما وراء الحجاب.
  • الحريم السياسي(1998)
  • سلطانات منسيات(2006)
  • هل أنتم محصنون ضد الحريم؟.

2.

فضلا عن مؤلفها، قيد الدراسة، ” أحلام النساء :طفولة في الحريم.”، الذي نشر سنة 1997 باللغة الإنجليزية، ثم ترجم الى الفرنسية. ثم العربية عن دار ورد للطباعة والنشر والتوزيع سوريا-دمشق. وهو مؤلف يندرج تحت جنس الرواية، وإن كان يعتمد سرد حكايات. يقول ” محمد المير أحمد.” :’’ هو جنس أدبي يندرج تحت الرواية، ولكن في مقاربة تنحو إلى سرد الحكايات.‘‘[أحلام النساء .ص:9]

وقد أثارت فاطمة ”المرنيسي” في هذا الكتاب قضية من قضايا المرأة وما تعانيه في مجتمعاتنا، خاصة ما عانته خلال حقبة الأربعينيات، وذلك عبر سرد حكايات على لسان طفلة في التاسعة من عمرها، لعلها الكاتبة نفسها، وذلك محاولة عولمة الواقع الدي تعيشه النساء خاصة وأن الكتاب كان موجها للمجتمع الغربي بحكم اللغة التي كتب بها كما تحدثنا عن ذلك سابقا.

بحيث حاولت الغوص في عالم النساء المعمق لتكشف عن معاناتهن، وما يكابدنه. في المجتمع الإسلامي.

يقول ” محمد المير أحمد ” ’’ أحلام النساء الحريم تجرية لا تؤثر الدفاع عن المرأة ولا تطمح إلى تحريرها، بقدر ما تسعى إلى الخلاص عبر خلق عقلية مختلفة ومغايرة لدى الإنسان في مجتمعنا، عقلية قادرة على فتح أبواب الأحاريم الذهنية كلها وعلى مصاريعها.‘‘ [أحلام النساء، ص:10]

في فصلها الأول الذي عنونته ب (( حدود حريمي)) ، تبدأ ”المرنيسي” حديثها كمن تكتب سيرتها الذاتية، قائلة:’’ ولدت سنة 1940 في أحد أحاريم مدينة فاس.‘‘[ََ11].تبدأ كاتبتنا في سرد البلبلة التي كانت تعيش فيها، في ذاك الفضاء الذي كان الذي كان أشبه بالسجن، أين كانت النساء كالمسيحيين كلاهما لا يحترم الحدود! تقول على لسان أبيها:’’ تبدأ مشكلتنا مع المسيحيين على نحو ما تبدأ مع النساء، فكلا الطرفين لا يحترم ”الحدود”؛ الحدود المقدسة.‘‘[11-12]. النساء إذن كن كمن من لم يحترم حدود بلد، واستعمرها!

ولذلك كان الفصل، المزعوم، بين الرجال والنساء من طرف الله لحكمة!! بحيث تضيف على لسان أبيها:’’ عندما حلق الله الأرض، كانت لديه أسباب لفصل الرجال عن النساء، ولبسط بحر بأكمله بين المسيحيين والمسلمين، إذ إن النظام والتناغم إلا إذا راعى كل فريق حرمة الحدود. وكل انتهاك لهذه الحرمة سوف يفضي-وبشكل حتمي- إلى الفوضى والشقاء. بيد أن النساء لم يكن يفكرن سوى  بخرق هذه الحدود، حيث كن أسيرات هواجسهن بالعام الخارجي المترامي وراء البوابة.‘‘[12]

إذا أمعنا النظر هنا، إذن، نستطيع الكشف عن وجه ذاك الأب الذي تصوره لنا الساردة، ذاك الأب الذي كانت النساء في نظره كالمسيحيين وجدن لخرق ”الحدود”! ولذلك كان يقفل أبواب الحريم  في وجوهن، لأنه كان يرى أنه ليس علينا أن نترك لهن من الحرية قيد أنملة!

كانت إذن ”الحدود” من جهة، كما يقول ابن عم الساردة، وهما نحتاج جنودا لنقنع بوجودها، فهي لا تكون إلا في عقول أولئك الذين يحتازون السلطة. ومن جهة أخرى، كانت الفتيات لا تسفرن، لأنهن عاجزات عن الدفاع عن أنفسهن!

إنها-الحدود- تلقن عبر التربية كما تقول الساردة على لسان لالاطم، تقول :’’التربية هي تعلم تعيين الحدود، حسب ما تقول لالاطم، مديرة المدرسة القرآنية التي أرسلت في الثالثة من عمري لأنضم إلى أبناء وبنات عمومتي العشرة، كانت لدى لالاطم مقرعة طويلة مرعبة. وقد كنت أوافقها الرأي في كل شيء؛ الحدود والمسيحيون والتربية. الإسلام يعني احترام الحدود، وبالنسبة إلى طفل احترام الحدود يعني الطاعة. كنت أتمنى من أعماقي أن أرضي لالاطم، وما إن تمكنت من الإفلات من رقابتها يوما. حتى طلبت من ابنة عمي مليكة –التي تكبرني سنا بعامين- أن تريني أين تقع هذه ”الحدود” على وجه الدقة، فأجابتني:’’ إن ما تعرفه تمام المعرفة هو أن كل شيء سيكون على أفضل حال إذا ما أطعت لالاطم، فالحدود هي ما تحرمه لالاطم. لقد طمأنتني كلمات ابنة عمي مليكة. وبدأت أحب المدرسة.’’[14-15]

واضح إذن من هذا المقتبس أن النساء لم يكن، في نظر رجال الأربعينيات، لم يكن يزددن ليعشن حياتهن ويتمتعن بها كما شئن، إنما ليحترمن الحدود لا أكثر! ولدن ليمارس الرجال عليهن سلطتهم!!

وهذا ما تكشف عنه ”المرنيسي” في هذا الكتاب؛ تكشف عن تلك الطفولة التي عاشتها هي-وان كان الكتاب ليس سيرة ذاتية-، وكل النساء في ” الحريم” خلال حقبة الأربعينيات. حيث كانت لا زالت طفلة فقط وتتم مصادرة أبسط حقوقها في اللعب كالأطفال (الذكور) !بحيث كانت تكتفي بالتنزه جالسة ((مسارية بلجلاس))، وهي لعبة، كما تقول، لا زالت مثمرة إلى حدود اليوم ! خاصة وأننا إلى حدود اليوم لازلنا نجد نساء داخل منازلهن ولا يسطعن مغادرتها! وكأنهن مسجونات، بل إنهن فعلا كذلك في مجتمعاتنا!

إن موضوع المرأة إذن وما كانت تعيشه من سجن في حقبة الأربعينيات، قد مثل الموضوع الأساس لهذا الكتاب، كما نجد ذلك واضحا في أغلب صفحاته، ففي فصلها المعنون ب (( الحريم الفرنسي )) تستمر الكاتبة في عمليتها للكشف عن الجور الذي كان يمس علاقة الرجل بالنساء، فتبرز لنا ذاك النشوق الذي كان لدى النساء نحو العالم الخارجي، وتقول على لسنا أمها:’’ كنت سأصحو وقت السحر، لو أنني فقط أستطيع أن أذهب لأتنزه في الصباح الباكر، آن تكون الشوارع مقفرة .. لعل الضوء يكون أزرق، أو ربما ورديا فاقعا، مثلما يكون وقت أفول الشمس .. ترى ما هو لون الصباح في الشوارع الخاوية والهادئة.‘‘[34]

لقد بدأت إذن الكاتبة على هذا النحو تدرجا في كشف الغطاء عن عالم النساء المغلق، فبدأت من أكثرها تشددا وانغلاقا إلى أولى محاولات التخلص من كل قيد، كما يكشف عن ذلك، ما قيل على لسان الأم :’’ إن جردني الرجال من المجال الوحيد الذي ما أزال أسيطر عليه حتى الآن، وهو مجال مستحضرات التجميل، فسوف يمتلكون القدرة قريبا على التحكم بسحنتي كاملة.. لن أسمح بحدوث شيء كهذا، أنا أخلق سحري، ولن أتخلى أبدا عن حنائي.‘‘[255-256] و إزاء ذلك استسلم الرجال.

من هنا يبدو لنا التغير الذي طرأ؛ إذا ما قارنا البداية أين كانت النساء لا يستطعن تحريك ساكن، ولا يقوين على قول (( لا))، كن يكتفين ب((نعم))، و ((سمعا وطاعة)) واحترام ((الحدود))، مع النهاية التي بدأن فيها تستفقن مما خلفه الحريم فيهن من خضوع وإنكار الذات. وكأن الكاتبة تريد أن تقول لنا : أنه ليس أقدر على تحرير النساء، من النساء أنفسهن .. فحقوقهن لن تعطى لهن ما دمن صامتات، وخاضعات لنرجسية الرجل!!

وهذا ما توضحه الكاتبة حين أنهت كتابها بعبارة في غاية الأهمية، تقول :’’ إذا لم تستطيعي الانفلات للخروج من المكان الذي تقبعين فيه، فأنت  تنتمين حتما إلى فريق الضعفاء.‘‘[264 ] قالت هذا على لسان ”مينا” التي دخلت معها في حوار مهم ليس علينا إغفاله، فكان جل مت ذكر أن الفصل بين النساء و الرجال منذ الصغر يكون أكبر خطإ يمكن ارتكابه، على اعتبار أن هذا الفصل يخلف هوة بينهما، بحيث يستعصي عليهما معا فهم بعضهما البعض.

حسن بوجات – مدينة الخميسات.

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :