أميمة البوحاميدي تكتب: رحل الذي لم يوَرِّثني مالا بل أورثني حبا و نفسا خيِّرةً.

25 سبتمبر 2021
توفي أبي يوم الإثنين 13/09/2021
كتبت هذه الخاطرة يوم 24/09/2021
 
رحل كل شيء بعده إلا وجه الله .. رحل الرجل الطيب الذي لم يورثني مالا بل أورثني حبا و نفساً خيِّرةً كنفسه الطيبة. كتبت الكثير الكثير و كنت دائما ما أجيد التلاعب بالكلمات، إلا أنني في لحظتي هذه و أنا أكتب عن أبي الراحل لم أعد أجيد شيئا سوى الرثاء .. رثاء أبي حبيبي الذي توفي و هو راض عنا بعد صراع أيام معدودات مع المرض.
 
سمعت كثيرا عن شعور رحيل الأب و حاولت قبلها استشعاره و تفهم مصاب الذي سبقوني في المصاب، إلا أنني لم أفطن له إلا بعدما عايشته .. أتعلمون كيف هو شعور فقد الأب؟ إنه كشعور زوال السِّتْر و التجرد من الذرع الحامي .. شعور عسير .. و كأنني لن أُحضَنَ مرة أخرى .. و لن يربَّتَ على كتفي مرة أخرى.. و لن أرى الفخر في عين أحد مرة أخرى.. و لن يحبني أحد مرة أخرى..و لن يحميني أبي مرة أخرى. كنت أحبه كثيرا و كانت علاقتي به مميزة جدا.. لم يكن أبي فقط بل صديقي و سندي و ذرعي الحامي.. لن أنسى فضله علي و وقوفه في وجه الحياة لأجلي .. لم يسبق له أن حرمني من شيء أبدا و إن لم يكن في استطاعته أحيانا تلبية طلباتي القنوعة كان يعدني بأن يلبيها لي فيما بعد، و كان يفي بوعده مهما طال زمن الوعد .. كانت لي و أبي محادثات جميلة جدا لما كان راقدا في المشفى و قد كان يتحدث لي كثيرا حينها عن أمي التي كان ينظر إليها على أنها المرأة الصالحة التي ساندته في صحته كما في مرضه متناسية مرضها و تعبها، كما كان يفعل هو أيضا .. و تحدث لي عن صهره .. زوجي؛ الذي أحبه في الله منذ أول يوم ومات و هو راض عنه كما رضي عني و أمي.
 
لن أنسى نظرته الأخيرة لي بعدما ناديته “بابا..” فقد توفي بعد وصولي بدقائق معدودات و كأنه كان ينتظرني كل هذا الوقت حتى يودعني بنظراته التي تحمل الكثير من المعاني .. ليفارقنا بعدها. أنا وحيدة أبي و قد كنت بالنسبة له الأمل و السند كما كان يقول لي دائما .. لقد فعلت كل ما بوسعي حتى يرضى عني دائما و كنت أرغب في أن أفعل الكثير الكثير لأريحه من هم الدنيا، إلا أن الأجل حان و الفراق آن أجله .. أما حبي لأبي فسَرمدِّيٌ أبديٌّ لا ينقضي .. لا أعلم ما الذي سيحصل بحياتنا بعده و كيف ستكون الحياة حياة من دونه إلا أنني على يقين أن عمل أبي الصالح و رحمة الله ستحيطنا دائما، ما دمنا أنا و أمي خلفاً لذلك الرجل الطيب. لقد كان يوصينا قبل وفاته بالمرضى الذين كانوا بجانبه في المشفى.. و ختم القرآن و هو في المشفى .. و أوصاني بتبليغ من يشتغلون برفقته في تجارته المتواضعة و مصدر رزقه، بألا يبيعوا بخلاف الشرع و أن يظلوا كما عهدهم مستقيمين غير مغالين .. و أفصح لي حتى عن مخاوفه التي طمئنته تجاهها ليرتاح لها و يبتسم.
 
كان يوصيني وأنا آمل أن يتعافى و يعود لحياته، و عائلته، و أصحابه؛ الذين مشوا في جنازته مودعين إياه بكل حب الدنيا و ذكرياتها .. ليفصح لي بعدها كل الناس بأن أبي كان أقرب الناس لهم و أصدقهم و أوفاهم ..و لأعود أنا بعد كل لقاء باكية بدموع فرح و طمأنينة تجاه أبي الراحل الذي لن يتكرر ما حييت. وعدي لك يا أبي أن أكون خير خلفٍ لك، و لأمي، و لعائلتك، و أن أمشي على خطاك الطيبة و استقامتك و تسامحك، و حبك اللامشروط للجميع، و وقوفك مع الحق، حتى يرى فيَّ الجميع نفسك الخيِّرة التي أورثتني إياها .. لقد كان وعدي لك و أنا أمام مرقدك الأخير أن لا ينقطع عملك في الدنيا وأن أفعل كل ما بوسعي بمشيئة الله حتى أوفي بوعدي، فكما قال سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه و سلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”. رحمك الله يا أبي السي عبد السلام البوحاميدي وجعل مثواك الجنة و الفردوس الأعلى.
 
ابنتك الوحيدة وقرة عينك أميمة البوحاميدي
 
أميمة البوحاميدي – مدينة الصويرة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

One comment on “أميمة البوحاميدي تكتب: رحل الذي لم يوَرِّثني مالا بل أورثني حبا و نفسا خيِّرةً.

  1. محمد شوقي بلعادل سبتمبر 26, 2021

    اللهم ارحمه واغفر له

: / :